الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى-: قلت: وأوضح من هذا: التمثيل بقوله تعالى: {أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف}[المائدة: ٣٣]، على قول من جعل الخيرة في ذلك إلى الإمام، فإنه يمتنع عليه الجمع بين هذه الأمور، بل يفعل منها واحداً يؤدي اجتهاده إليه.
والتفصيل [بعد] الإجمال، نحو قوله تعالى:{وقالوا كونوا هوداً أو نصرى تهتدوا}[البقرة: ١٣٥]، {قالوا ساحر أو مجنون}[الذاريات: ٥٢]، أي: قال بعضهم: كونوا هوداً، وقال بعضهم: كونوا نصارى، وقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: مجنون.
والإضراب: كـ «بل»، وخرج عليه قوله تعالى:{وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون}[الصافات: ١٤٧]، [يعني: بل يزيدون]، فإن قلت: كيف جاز الإضراب في كلامه تعالى؟ قلت: قال الرضي: إنما جاز لأنه تعالى أخبر عنهم بأنهم مائة ألف، بناء على حرز الناس مع كونه تعالى عالماً أنهم يزيدون، ثم إنه أخذ في التحقيق مضرباً عما يغلط فيه الناس، وكذا قوله تعالى:{كلمح البصر أو هو أقرب}[النحل: ٧٧]، انتهى.
أقول: ويظهر لي وجه غير ما ذكر [الرضي]، وهو أن القرآن العزيز والكلام الإلهي جرى على عادة العرب في كلامهم، فيقصد المتكلم من ابتداء القول الإضراب، ويكون قاصده، ويأتي بالجملة الأولى [فيرتقي إلى] الجملة الثانية ويقصد المبالغة، كما في قوله تعالى:{إلى مائة ألف}[الصافات: ١٤٧]، فالقصد أنهم يزيدونه، وذكر الألف لأجل الانتقال والمبالغة في المعنى، مثل:{وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب}[النحل: ٧٧]،