الجواب به! وما المانع من أن يكون إنما وقع عن حكمة ذلك ليعلموها، فإن نظم الآية محتمل لذلك، كما أنه محتمل لما قالوه، والجواب ببيان الحكمة دليل على ترجيح الاحتمال الذي قلناه، وقرينة ترشد إلى ذلك، إذ الأصل في الجواب المطابقة للسؤال، والخروج عن الأصل يحتاج إلى دليل، ولم يرد بإسناد لا صحيح ولا غيره أن السؤال وقع عن ما ذكروه، بل ورد ما يؤيد ما قلناه، فأخرج ابن جرير، عن أبي العالية، قال: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله، لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله:{يسئلونك عن الأهلة}[البقرة: ١٨٩]، فهذا صريح في أنه سألوا عن حكمة ذلك، لا عن كيفيته من جهة الهيئة، ولا يظن ذو دين بالصحابة الذين هم أدق فهماً، وأغزر علما، أنهم ليسوا ممن يطلع على دقائق الهيئة بسهولة، وقد اطلع عليها آحاد العجم الذين أطبق الناس على أنهم أبلد أذهاناً، من العرب بكثير، هذا لو كان للهيئة أصل معتبر، فكيف وأكثرها فاسد لا دليل عليه! وقد صنفت كتابا في نقض أكثر مسائلها بالأدلة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي صعد إلى السماء، ورآها عيانا، وعلم ما حوته من عجائب الملكوت بالمشاهدة، وأتاه بالوحي من خالقها، ولو كان السؤال وقع عما ذكروه لم يمتنع أن يجابوا عنه بلفظ يصل إلى أفهامهم، كما وقع ذلك لما سألوا عن المجرة وغيرها من الملكوتيات.
نعم المثال الصحيح لهذا القسم جواب موسى لفرعون، حيث قال:{وما رب العلمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما}[الشعراء: ٢٣، ٢٤]، لأن (ما) سؤال عن الماهية أو الجنس، ولما كان هذا السؤال في حق الباري - صلى الله عليه وسلم - خطأ، لأنه لا جنس له فيذكر ولا تدرك ذاته، عدل إلى الجواب بالصواب ببيان الوصف المرشد إلى معرفته، ولهذا تعجب فرعون من عدم مطابقته للسؤال، فقال لمن حوله:{ألا تستمعون}[الشعراء: ٢٥]، أي: جوابه الذي لم يطابق السؤال، فأجاب موسى بقوله:{ربكم ورب ءابائكم الأولين}[الشعراء: ٢٦]، المتضمن إبطال ما يعتقدونه من ربوبية فرعون نصاً، وإن كان دخل في