أقول: لا يدل ذلك على أنهم كانوا يجتهدون [في] تأليفه، إلا أن الحارث وسيدنا عمر رضي الله عنهما، حفظا الآيتين ولم يعلما بمحلهما، ولا في أي سورة وضعها النبي صلى الله عليه وسلم، فلأجل ذلك احتاجوا إلى الاجتهاد فيها، وقد بين أبي أن هاتين الآيتين/ وضعهما النبي صلى الله عليه وسلم في آخر (براءة)، فكشف ما كان مجهولا.
أخرج ابن أبي داود، من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب: أنهم جمعوا القرآن فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة (براءة): {ثم انصرفوا/ صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}[التوبة: ١٢٧] ظنوا أن هذه الآية آخر ما أنزل، فقال أبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعد هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر السورة [التوبة: ١٢٨ - ١٢٩].
فسيدنا عمر والحارث، حفظا الآيتين فقط، وأبي حفظهما مع معرفة موضعهما.
وقال البغوي في "شرح السنة": الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله- جل شأنه- على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير [أن زادوا أو نقصوا منه شيئا]، خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته، فكتبوه كما سمعوه من