الحكم بناء على الاجتهاد الجديد بما سيأتي من أقضية، لأن الظنون المتعادلة، ليس بعضها أولي من بعض، ولو جاز أن ينقض بعضها بعضاً، لما استمر حكم، ولما استقر تشريع، ولشق الأمر على الناس، ومن هنا نشأت القاعدة المعروفة:(لا ينقض الاجتهاد بمثله).
ويترتب على ذلك أن الحكم الأول يمضي على حاله ولا يرد، وقد روي عن عمر رضي الله عنه مثل هذا: روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم بحرمان الأخ الشقيق من الميراث، في المسألة المعروفة بالمشتركة، وهي أن يموت الميت عن زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق. ومقتضي القواعد أن يأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والإخوة لأم الثلث، ولا شيء للأخ الشقيق، لأنه عصبة، ولم يبق له شيء بعد أصحاب الفروض، وهكذا قضى عمر رضي الله عنه أولاً.
ثم رجع عن ذلك، وقضي بالتشريك بين الأخ الشقيق والإخوة لأم في الثلث، على أنهم أخوة لأم، وقال رضي الله عنه لما قيل له: قد قضيت بغير هذا: (ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي) ولم ينتقض حكمه الأول.
حكم القاضي نافذٌ قضاءَ لا ديانة:
إذا قضي القاضي في قضية، بناء على بينة صحيحة شرعاً نفذ حكمه قضاءً وظاهراً، واستحق المحكوم له ما حكم له به القاضي ن فإن كان المدعى صادقاً في دعواه استحق المدعي به، وحل له قضاء وديانة، ظاهراً وباطناً.
أما إذا كان المدعى كاذباً، وحكم له القاضي ببينته، فإن هذا الحكم وإن نفذ قضاءٌ وظاهراً وباطناً.
أما إذا كان المدعى كاذباً، وحكم له القاضي ببينته فإن الحكم وإن نفذ قضاءٌ، واستحق المدعي والمحكوم له به، إلا أنه ديانة وعند الله عز وجل حكم باطل لا يحل به الحرام، ولا يستحق هذا المدعى ما حكم له به ن وعليه أن يتوب غلي الله تعالى، ويرد الحق إلي صاحبه. ودليل ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنما أنا بشرٌ وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار ".
(رواه البخاري [٦٧٤٨] في الأحكام، باب: موعظة الإمام للخصوم، ورواه أيضا ي غر هذا الباب، ومسلم [١٧١٣] في الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة عن أم سلمه رضي الله عنها).