ومنها
أبي وأني غرس نعمتك التي ... أسقيتني البشرى فأثمرت الدعا
من ذا يشكك ان لفظت جواهراً ... وعلاك أودع مسمعي ما أودعا
وأبيك لم أبرح أجيل قرائحي ... فيما حويت وأطرب المتستمتعا
حتى إذا استوفيت عمري وانقضى ... أجلي ووافيت المكان البلقعا
أبقيت ما يتلى على اذن الورى ... من طيب ذكرك كل دهر موقعا
فأقبل وقابل بالقبول بضاعتي ... المزجاة اذ كنت العزيز المصقعا
لا فاتك المأمول فيما تبتغي ... متمتعاً بالدين والدنيا معا
ومن عجيب ما يسمع ما وقع بهذه القصيدة وهو أن الوالد لا زال محفوفاً بالرضوان بين حجرة في دارنا البرانية وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فأمر أحد الكتاب أن يكتب هذه القصيدة على جدارها فكتبها بالذهب وتحلت باللازورد والنقش العجيب ولما وصل إلى قوله حتى إذا استوفيت عمري كتب عمرك بكاف الخطاب وصدر ذلك سهواً منه ثم ان الوالد بعد مدة لما اطلع على ذلك تشاءم وفي تلك السنة توفى وأمر بقحطها وله من قصيدة ممتدحاً بها والدي مطلعها
برح الخفاء فلا الغيور يقيك ... كلا ولا بيض الظبي تحميك
الا الذي من سقم جفنك ينتضي ... ونراه يغمد في حشا راعيك
أيس الهوى من أن يمر بخاطري ... ذكر السلو فعاد بي يغريك
فتحكمي في مهجتي وتهكمي ... فيمن غدا بعيونه يفديك
ان كنت عالمة بما فعل النوى ... عند الوداع به فذا يكفيك
دنف إذا ضرب الدجى أطنابه ... وصل الأنين برنة تشجيك
وإذا انتضى برق العقيق حسامه ... هاجت لواعجه بمبسم فيك
وإذا الهديل تجاوبت أصداؤه ... جزعاً على ما ناله يبكيك
ليس الضني بردافاً خلعه جوى ... حتى رثى لسقامه واشيك
فإلى م يكتم لوعة في ضمنها ... جمر يشب بدمعه المسفوك
ويرى ركوب الصعب في نهج الهوى ... هيناً ولا التمويه عن ناديك
فسلى جوانحه اللواتي صيرت ... مثواك هل في ذاك من تشكيك
كم وقفة دون الكثيب رمى بها ... نظراً أطال به التفكر فيك
حيران من أسف يعض بنانه ... حذراً عليك مواقع المأفوك