وله من قصيدة مطلعها
لطير الهنا في الروض صدح المغرد ... على فنن الاقبال في روضه الندي
تغني فأنساني الغريض ومعبدا ... بمطرب ألحان وطيب تردد
وهب على زهر الربى نافح الصبا ... سحيراً فأغفى كل جفن مسهد
يمر على الأغصان وهي قويمة ... وينساب عنها وهي ذات تأود
ويكسو متون الماء درعاً مزردا ... لجيناً يحليه الأصيل بعسجد
ومعنى المصراع الأول من آخر الأبيات مأخوذ من قول الآخر
نسج الريح على الماء زرد ... ياله درعاً منيعاً لو جمد
أقول وأصله ما نقله صاحب بدائع البدائه قال روى عبد الجبار بن حمديس الصقلي قال صنع عبد الجليل بن وهبون المرسي الشاعر نزهة بوادي أشبيلية فاقمنا فيه يومنا فلما دنت الشمس من الغروب هب نسيم ضعيف غضن وجه الماء فقلت للجماعة أجيزوا حاكت الريح من الماء زرد فأجازه كل منهم بما تيسر له فقال لي أبو تمام غالب ابن رباح الحجاج كيف قلت يا أبا محمد فأعدت القسيم له فقال أي درع لقتال لو جمد انتهى ثم قال صاحب البدائع ما سبق وقد نقله ابن حمديس إلى غير هذا الوصف فقال
نثر الجو على الترب برد ... أي در لنحور لو جمد
فتناقض المعنى بذكر البرد لو جمد إذ ليس البرد الا ما جمده البرد اللهم الا أن يريد بقوله لو جمد لو دام جموده فيصح ومثل هذا قول المعتمد بن عباد يصف فوارة
ولربما سلت لنا من مائها ... سيفاً وكان عن النواظر مغمدا
طبعت لجيناً ثم زانت صفحة ... منه ولو جمدت لكان مهندا
وقد أخذ المقري هذا المعنى فقال يصف روضاً
ولو دام هذا النبت كان زبرجداً ... ولو جمدت أنهاره كان بلورا
وهذا المعنى مأخوذ من قول التونسي الأبادي من قصيدته الطائية المشهورة
الؤلؤ قطر هذا الجو أم نقط ... ما كان أحسنه لو كان يلتقط
والمعنى كثير للقدماء قال ابن الرومي في قطعة من العنب الرازقي
لو أنه يبقى على الدهور ... قرط آذان الحسان الحور انتهى
عودا إلى القصيدة
وأصبح ثغر الدهر بالأنس باسماً ... عن المطلب الأسنى وأعظم مقصد
ولامه الغراء عادت مواسماً ... بها تنجلي خود السرور بمشهد