من إقامة الحد عليه وكان ذلك بإغراء أحد أعيان دمشق فخرج منه خائفاً وقصد مدينة اسلامبول دار الملك واختص ببعض أركان الدولة وأمن من زمانه تلك الصولة فجعله في خلوته نديم مرامه واختلس برهة التيه ونسى ما كان فيه ومشى مشبة لم يكن ورثها عن أبيه فما استقام حتى نكص على عقبه لزلة قدمها ففارقها وفي النفس منها ما فيها وقدم طرابلس الشام وتزوج بها واستقام وحصل له بعض وظائف ولبث هناك برهة من الأيام ثم قصد وكنه الأصلي ولم يجعله مقره ولا سكنه ثم توجه تلقاء مصر فأحله واليها الوزير الفريد الصدر الوحيد محمد باشا الشهير بالراغب في أسنى المراتب وامتدحه بقصيدة وهي قوله
هذي مناي بلغتها لأوانها ... فالحمد للافلاك في دورانها
الآن قرت بالتواصل أعين ... طال اغتراب النوم عن أجفانها
كم بت في ليل الفراق مردداً ... بيتاً يسلى النفس عن أشجانها
يا ليت شعري هل أرا منشداً ... دهما نبذ الدرهم يوم رهانها
النيل أيتها السفين فليس لي ... في فارس ارب ولا أرجانها
فترشفي من ثغر دمياط المنى ... لأظل ذاك الشعب من بوانها
من فوق حماء القرا نوحية ... تثنى بصنعتها على سفانها
وجناء لارعى الغضا من همها ... يوماً ولا ورد إلا ضامن شانها
سارت فشقت من خضارة أزرقا ... شق الثكول السود من قمصانها
وتعسفت أمواج يم مترع ... كالأيم إذ تنساب من كثبانها
هندية في الماء ألقت نفسها ... والهند تلقي النفس في نيرانها
زنجية غنت لها ريح الصبا ... فغدت تجيد الرقص في أردانها
تمشي على الدأماء فعل ولية ... وتطيع جهر أعابدي صلبانها
دار متى فتحت تلافي هلكها ... سكانها أسرى يدي سكانها
أفتلك فتخاء الجناح تصوبت ... م الجو فهي تسف في طيرانها
أم عرمس هوجاء مهما راعها ... صوت الرياح تجد في ذملانها
أم مومس ورهاء ليس يليقها ... بعل ولا تأوى إلى أوطانها
أم تلك من سرب المها وحشية ... نشأت خلال الماء مع حيتانها
آلت على أن لا تقر بمرفأ ... والبر كل البر في أيمانها
أو تجلعن من نيل مصر ورودها ... عللاً وتمضي بعد ذاك لشانها