للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجاوبها الأطيار من كل جانب ... بتغريد تفريد بتلحينها الجهر

فترقص بانات الرياض وسروها ... بحسن قدود في غلائلها الخضر

يرنحها في ميلها واعتدالها ... وتردادها فوج النسيم إذا يسري

ينقطها كف الغمام بلؤلؤ ... يروقك حسناً في النظام وفي النثر

فلو كان جيش الهم والغم غائراً ... تبدل أفراحاً وصار إلى الصدر

رعى الله أياماً مضت في رباعها ... فما كان أهنأها ولو عن ما لقصر

أجربها ذيل الشبيبة ضافياً ... بخلع عذارى قبل نابتة العذر

وشرخ الصبا في عنفوان شبابه ... وريق وعيش المرء في صبوة العمر

مع الأهيف الفتان كالبدر طلعة ... وكالورد منه الخد والريق كالخمر

وكالأسمر الخطي قد أمهفهفا ... وكالحقف دعصاً موهناً دقة الخصر

يدير عن الأقداح أحداق جؤذر ... بما وبما يلقيه من لفظه سكري

ويثنى بكاسات الثغور فتحتسي ... لراح اللما والقرقف العذب الخصر

بغفلة واش والرقيب وحاسدي ... تواصلنا اللذات في هجعة الدهر

إلى أن بدا وخط المشيب بلمتي ... ونبهني سراً وأنذر بالجهر

فلهفي على وقت تقضي بقربهم ... وطيب زمان مرمع دمية القصر

واهاً وواهاً لو تفيد لقائل ... لكررها لكن جمراً على جمر

أيا جبرتي يا أهل ودي وبغيتي ... فلا تجنحوا بعد التعاهد للغدر

ولا تنكروا ما بيننا من مودة ... فحبي لكم ما دمت حياً وفي القبر

مقيم على القادري على الوفا ... فكونوا كما شئتم سوى الصد والهجر

ولما أخذت النصارى بنو الأصفر بلغراد واستردها مصطفى باشا الوزير الجليل الشهير بابن الكبريلي الصدر الأعظم كتب إليه المترجم بهذه القصيدة مهنياً له ومطلعها

تنفس الدهر والعيش الكدور صفا ... والوقت طاب فاسدي للنفوس صفا

وأصبح الكون منه الثغر مبتسماً ... يجلي نضير عروس زانها صلفا

أضحى الزمان جديداً مثل عادته ... في أعصر الراشدين السادة الخلفا

قسط وعدل وانصاف وأمن على ... دم ودين ومال لات حين جفا

من بعد هول وارجاف وبؤس لسي ... والخطب عم عوام الناس والشرفا

وصال صائل أهل الشرك مشتملاً ... بلامة البغي والعدوان ملتحفا

غرورهم غرهم والغدر أو غلهم ... فجاوز الحد جيش الخزي مذ رجفا

عتوا عتواً شديداً في الديار وقد ... عاثوا فساداً ومالوا ميلة العرفا

نفوسهم حدثتهم بالمحال لما ... ظنوا بقاء ظلام الفكر منعكفا

وإن ما اختلسوا بالغدر من نشب ... يبقى لهم خولاً هيهات بل أسفا

وما دروا إن شمس الدين أشرق من ... مطالع العز يمحو نوره السدفا

إذ جاؤا من فوقنا جهراً وأسفلنا ... ومن امام ومن ايماننا وقفا

وزاغت أبصار أهل الدين وارتبكوا ... وزلزلوا جزعاً والشهم ما وقفا

قلوبهم بلغت أدنى محاجرهم ... والظن شاء وزال الصبر وانصرفا

وأكثر القول من أهل النفاق ومن ... والاهم وإذا عوا العجز والضعفاء

فثبت الله منا عصبة صدقت ... بمصطفى الصدر محيي عدل من سلفا

مجدد الوقت حامي الدين من شعث ... مؤثل المجد شاد العز والشرفا

بالعلم والحلم والرأي السديد وبال ... تقوى وبالعزم في حزم وحسن وفا

أرخى العساكر تترى كالسحاب لها ... رعد وبرق لأبصار العد أخطفا

أبطال صبر وفي يوم الكفاح إذا ... ما قابل الشخص نفس الموت ما انحرفا

لبوسهم نسج داود لبأسهم ... مفاضة سابغات من دلاص ضفا

في البحر نون وهم في البر قسورة ... وفي الجبال نسور لا تخاف حفا

على سوابح تجري كالنسيخ ترى ... عين الحمية أقصى شاؤها أزفا

أو كالسهام إذا الراعي يفوقها ... بشدة العزم لما تقصد الهدفا

صوافن ضمر في الكر عادتها ... تدك صم الرواسي دكها الحذفا

ألقى من الرعب في قلب العدا فغدا ... أنكى من العسكر الجرار مرتجفا

رد النصارى على الأعقاب ناكصة ... ومن توقف منهم هامه نقفا

وحكم البيض في أجسادهم فصلت ... حكم القضا فأبانوا الرأس والكتفا

حتى إذا أثخن الطاغين جملتهم ... شد الوثاق على الباقين وانعطفا

يقفو لآثار من فروا فيدركهم ... قتلى وأسرى إلى أن عمرهم كشفا

وله من بحر السلسلة

يا بدر سماء له الأزرة أفلاك ... خلجان دموعي غدت مشارع أفلاك

يا واحد حسن ويا فريد تثن ... توحيد هوى الصب لا يشان باشراك

يا أحور لحظ سطا بأسمر قد ... يا أحمر خد أما ترق لمضناك

غرار صباح الجبين غر محباً ... بالهجر وبالبعد والصدود من أغراك

من وجهك شكري ومن لحاظك سكري ... يا شغلة فكري جعلت قوتي ذكراك

يا بدر ففي القلب قد حللت مقيماً ... قل لي فلماذا حدت عن الطرف بمسراك

<<  <  ج: ص:  >  >>