وقد أنشد ذلك للعمادي فلم تعجبه أبيات البقاعي ولا البيتين الأولين وكان مغبر الخاطر من الداديخي وكان في ذلك المجلس الشيخ أحمد الكردي الدمشقي فقال له العمادي أجز بيتي المنيني فأنشأ وقال
نعم المدارس باسطية فتحنا ... لو أنها بنداه كانت تعمر
لفظ بلا معنى كذلك ذاته ... طول بلا طول وذا لا ينكر
فتغيظ الداديخي لما سمع ذلك وتسابا طويلاً ثم إن الكردي عمل بيتين آخرين في الداديخي وهما قوله
مالي بمدح الفتح لا أكتفي ... فقدره قد فاق بين الورى
يا سائلي عنه وعن بيته ... كلاهما قد أمسيا في الخراب
ومراده الاكتفاء بذلك لأن الداديخي كان بيته في محلة الخراب وأنشدهما الكردي في المجلس أيضاً فوقع بينهما مشاجرة وخصام أدى إلى قبيح الكلام ثم اجتمعا في الجامع الأموي في رمضان وكانت الواقعة قبيل رمضان بأيام فتشاتما طويلاً بالهجر من القول وخرج كل منهما عن حده من الاستطالة على صاحبه والصول ثم إن الكردي عمل في الفتح الداديخي هجاء آخر بليغاً طويلاً وعرضه في مسوداته على المنيني فمزقه شذر مذر وقال له أنت قلت فيه مقطوعين يبقيان إلى آخر الدهر وما تكلم هو فيك لا يبقى في الفكر انتهى وقد حدثني كثير من أصحابي بأجوبة صدرت من الداديخي المترجم إلى أناس صدرت مع حسن التعبير منها إن أخا الشيخ أحمد المنيني المذكور آنفاً وهو الشيخ عبد الرحمن المنيني أراد أن ينكت على الداديخي بأن أصله قروي فلاح فقال له كم ساعة بين داديخ وحلب فأجابه بالحال مقدار ما بين قرية منين ودمشق فأفحمه وأراد أن أصلك كذلك مثلي قروي إن كان مرادك ذلك ويعجبني من هذا القبيل ما أجاب به المنيني المذكور إلى أحد تجار دمشق المشاهير ويعرف بابن الزرابيلي حين سأله بقوله مولانا متى خلعتم الزرابيل من أرجلكم قاصداً التنكيت عليه بأنه قروي فأجابه المنين بالارتجال من حين تركتم صنعتها والاشتغال بها فأفحمه بالجواب وكان المترجم الداديخي ينظم الشعر الباهر فمن ذلك ما كتبه للشيخ محمد الكنجي بقوله
يا سيداً زار وما زرته ... فمني النقص ومنه التمام
إن كان في ذلك فقد قضى ... بأني المأموم وهو الامام
فطالما زار الغمام الثرى ... ولم يزر قط الثرى للغمام
فأجابه الكنجي بقوله
زرتك يا كهف الندى والسخا ... وكعبة الفضل وركن المرام