وحسن نباهة وبداهة أحد أفراد مصره في عصره مجيد في النظام والأدب له اجتهاد في العلوم وباع ذكي الطبع حسن السمت حلو المسامرة يرغب في مسامرته الكرام والصدور وتبتهج بروائع رشحات أقلامه وجوه الصحائف والسطور وكان بالقدس ممن اشتهر بالفضائل خصوصاً بفنون الأدب وارتحل إلى الروم ولم يطل المكث هناك وعاد إلى بلدته وكان يلازم المسجد الأقصى ووالده أحد الصلحاء من العالم وولده المترجم نثره ونظمه كل منهما باللطافة والرقة ممزوج ومشمول فمما وصلني من ذلك ما كتبه إلى السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري بدمشق حين وفوده من الروم
شمس العلا طلعت ولاح سناء ... وازدادت الأنوار والأضواء
وبدا لنا بدر الضيا متلألئاً ... مذ قابلتنا الغرّة الغراء
وانجاب عز وجه الشآم غمامه ... وبدا الصباح وزالت الظلماء
وافترّ ثغر الدهر لما أن عرا ... أهل العداوة بالسرور بكاء
وتقاربت نحو المنى آمالنا ... وتباعدت عن عيننا الأقذاء
لبس الزمان أحاسن الحلل التي ... بجمالها تتزين الحسناء
والأرض قد أبدت غلائل زينة ... وتكللت من فوقها الأنداء
والكون يرقص من مزيد سروره ... رقصاً به قد طابت الخيلاء
والروض مدّ بساط منثور على ... منظوم زهر قد علاه بهاء
والنهر يجري فوق درّ ناصع ... هو للتمائم درّة عصماء
وعصابة الأدباء كل قائل ... شعراً به تترنم الورقاء
كل بباب الفتح طاف مبشراً ... بسلامة هي للأنام شفاء
من لا تفي البلغا بمدحته ولو ... بجميع أصناف المدائح جاؤا
عادت بعودك للأنام حياتهم ... فالآن سائر من يرى أحياء
لولا بشير البشر بشرّنا لما ... زار العيون وحقك الأغفاء
قد غم كل منافق ومداهن ... وسرت إلى سرّائه الضراء
وتفطرت أكباد حسد نعمة ... وتقطعت فزعاً لهم أمعاء
وتسر بلواً بالخزي في درك الشقا ... ما ثم فوق شقا الحسود شقاء
تجري الدما منهم على وجناتهم ... فلذاك عين وجودهم عمياء
فطعامهم بعد النفائس أنفس ... وشرابهم بعد الزلال دماء
ووجوههم مصفرّة مما بهم ... وكذا تنفسهم هو الصعداء
ما بالهم يبغون سوأ للذي ... بالجود منه تذهب الأسواء