ذلك أيضاً أن الأسانيد التي ذكرها للقدح لا يخلو غالبها من متكلَّم فيه أو مجهول، ولا يجوز إجماعاً ثلمُ عِرض مسلم بمثل ذلك، فكيف بإمام من أئمة المسلمين، وبفرض صحة ما ذكره الخطيب من القدح عن قائله لا يُعتدّ به، فإنه إن كان من غير أقران الإمام فهو مقلِّد لما قاله أو كتبه أعداؤه، وإن كان من أقرانه فكذلك لما مرّ أن قول الأقران بعضهم في بعض غير مقبول، وقد صرح الحافظان: الذهبي وابن حجر بذلك، قالا: لا سيما إذا لاح أنه لعداوة أو لمذهب، إذ الحسد لا ينجو منه إلاَّ من عصمه الله، قال الذهبي: وما علمت أن عصراً سلم أهله من ذلك إلاَّ عصر النبيين والصدقين، وقال التاج السبكي: ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلُكَ سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض، إلاَّ إذا أُتي ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل وحسن الظن، فدونك، وإلاَّ فاضربْ صفحاً عما جرى بينهم، وإياك، ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين النسائي وأحمد بن صالح، أو بين أحمد والحارث بن أسد المحاسبي، وهلمّ جرّاً، إلى زمان العز بن عبد السلام والتقيّ بن الصلاح، فإنك إذا اشتغلت بذلك وقعت على الهلاك، فالقوم أئمة أعلام، ولأقوالهم محامل، وربما لم نفهم بعضها فليس لنا إلاَّ التراضي والسكوت عما جرى بينهم، كما نفعل فيما جرى بين الصحابة. انتهى.
وفيه أيضاً في "الفصل السادس": صح كما قاله الذهبي أنه رأى أنس بن مالك وهو صغير، وفي رواية مراراً، وكان يخضب بالحمرة، وأكثر المحدثين على أن التابعي من لقي الصحابي، وإن لم يصحبه، وصححه النووي كابن الصلاح، وجاء من طرق أنه روى عن أنس أحاديث ثلاثة (انظر أسماء الصحابة الذين سمع منهم أبو حنيفة في "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" للقرشي ١/٢٨) ، لكن قال أئمة الحديث: مدارها على من اتهمه الأئمة بالأحاديث، وفي "فتاوى شيخ الإِسلام ابن حجر" أنه أدرك جماعة من الصحابة كانوا بالكوفة، لأن مولده بها سنة ثمانين، فهو من طبقة التابعين، ولم يثبت ذلك لأحد من أئمة الأمصار المعاصرين له، كالأوزاعي بالشام، والحمّادَيْن