بالبصرة، والثوري بالكوفة، ومالك بالمدينة، والليث بن سعد بمصر. انتهى كلام الحافظ، فهو من أعيان التابعين الذين شملهم قوله تعالى:(والَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإحْسَانٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُواعنه)(سورة التوبة: آية ١٠٠) . انتهى.
قلت: فهذه العبارات الواردة عن الثقات، لعلها لم تقرع سمع جهلاء عصرنا حيث يطعنون على أبي حنيفة ويحطّون درجته عن المراتب الشريفة، ويأبى الله إلاَّ أن يتم نوره ولو كره الكارهون:{وسيعلمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي مُنقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(سورة الشعراء: آية ٢٢٧) . وخلاصة ما اشتهر بينهم، والعجب أنه أدرج بعضَها بعضُهُم في تصانيفهم، أمور: منها: أنه كان يقدم القياس على السنن النبوية، وهذا فرية بلا مرية، ومن شك في ذلك، فليطالع "الخيرات الحسان" و "الميزان" يظهر له أن زعمه موقع له في خسران.
ومنها: أنه كان كثير الرأي ولذا سمَّى المحدثون أصحابه بأصحاب الرأي. وهذا ليس بطعن بالحقيقة، فإن كثرة الرأي والقياس دالّة على نباهة الرجل ووفور عقله عند الأكياس، ولا يفيد العقل بدون النقل ولا النقل بدون العقل، واعتقادنا واعتقاد كل منصف في حقه أنه لو أدرك زماناً كثرت فيه رواية الأحاديث وكشف المحدثون عن جمالها القناع بالكشف الحثيث لقل القياس في مذهبه، كما حققه عبد الوهاب الشعراني في ميزانه (١/٥٣) ، وملاّ معين في كتابه "دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب".
ومنها: أنه قليل الرواية للأخبار النبوية، وهذا أيضاً ليس بطعن في الحقيقة، فإن مرتبته في هذا تُشابه المرتبة الصِّدِّيقّية، فإن كان هذا طعناً، كان أبو بكر الصديق أفضل البشر بعد الأنبياء بالتحقيق مطعوناً، فإنه أيضاً قليل الرواية بالنسبة إلى بقية الصحابة، حاشاهم، ثم حاشاهم عن هذه الوسمة.
ومنها: أنه كان كثير التعبُّد حتى إنه كان يُحيي الليل كلَّه، وهو بدعة ضلالة،