وهذا قول صدر عن غفلة، ولقد قفَّ شعري من سماعه، ووقعت في التعجب من قائله، فإن كثرة العبادة حسب الطاقة كإحياء الليلة كلها وختم القرآن في ليلة، وأداء ألف ركعة، ونحو ذلك منقول بالنقول الصحيحة عن كثير من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الفقهاء والمحدثين، كعثمان، وعمر، وابن عمر، وتميم الداري، وعلي، وشداد بن أوس رضي الله عنهم، ومسروق، والأسود النخعي، وعروة بن الزبير، وثابت البناني، وزين العابدين علي بن الحسين، وقتادة، ومحمد بن واسع، ومنصور بن زاذان، وعلي بن عبد الله بن عباس، والإِمام الشافعي، وسعد بن إبراهيم الزهري، وشعبة بن الحجاج، والخطيب البغدادي، وغيرهم ممن لا يُحصى عددهم، فيلزم أن يكون هؤلاء كلُّهم من المبتدعين، ومن التزمه فهو أكبر المبتدعين الضالِّين، وقد حققت المسألة مع ما لها وما عليها في "إقامة الحجة" (طبع من حلب: كتاب "إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبُّد ليس ببدعة" بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة) .
ومنها: أنه قد جرحه سفيان الثوري والدارقطني والخطيب والذهبي وغيرهم من المحدثين. وهذا قول صدر عن الغافلين، فإن مطلق الجرح إن كان عيباً يُترك به المجروح، فليترك البخاري ومسلم والشافعي، وأحمد ومالك ومحمد بن إسحق صاحب المغازي، وغيرهم من أجلّة أصحاب المعاني، فإن كلاًّ منهم مجروح ومقدوح، بل لم يسلم من الجرح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل يقول قائل: بقبول الجرح فيهم؟ كلا، والله لا يقول به من هو من أرباب العقول، وإن كان بعض أقسام الجرح موجباً لترك المجروح، فالإِمام بريء عنه عند أرباب الإِنصاف والنصوح، فإن بعض الجروح التي جرح بها (في الأصل:"به"، وهو تحريف) مبهم، كقول الذهبي في "ميزان الاعتدال"(ميزان الاعتدال: ١/٢٢٦) : إسماعيل بن حماد بن الإِمام أبي حنيفة ثلاثتهم ضعفاء. انتهى.
وقد تقرر في الأصول أنه لا يُقبل الجرح المبهم، لا سيما في حق من ثبتت عدالته، وفسرت تعديلاته، واستقرت إمامته، وقد بسطت الكلام في هذه المسألة