وإذا ثبت هذا، فنقول: من المعلوم أن الاستماع إنما يكون في ما جهر به الإمام، فيَتْرُك المؤتمّ فيه القراءة، ويؤيده من الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذَا قَرَأَ الإمام فأنْصِتُوا"، أخرجه أبو داود وابن ماجه والبزار وابن عديّ من حديث أبي موسى، والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وأخرجهما ابن عبد البر في "التمهيد"، ونقل عن أحمد أنه صححه، ولأبي داود وغيره في صحته كلام، قد تعقَّبه المنذري وغيره. فهذا في ما جهر الإمام، وأما في ما أسرَّ، فيقرأ أخذاً بعموم لا صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب، وغير ذلك من الأحاديث. وأما أصحاب القول الثاني، فأقوى حججهم حديث عبادة: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ فثَقُلَتْ عليه القراءة، فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، يا رسول الله، فقال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها. أخرجه أبو داود والترمذي وحسَّنه والنسائي والدارقطني وأبو نعيم في "حلية الأولياء"، وابن حبان والحاكم. وأما أصحاب القول الثالث، فاستدلوا بحديث: "من كان له إمام فقراءه الإمام قراءة له" وسنذكر طرقه إن شاء الله تعالى، وبآثار الصحابة التي ستأتي. والكلام في هذا المبحث طويل وموضعه شرحي لشرح الوقاية المسمَّى بـ"السعاية في كشف ما في شرح الوقاية"، وفقنا الله لاختتامه (بلغ الكتاب إلى (فروع مهمة متعلِّقة بالقراءة في الصلاة) ، وقد انتقل مؤلِّفه إلى جوار رحمة الله تعالى، وطبع الكتاب في مجلد ضخم في جزأين من باكستان سنة ١٩٧٦ م) . وقد أفردتُ لهذه المسألة رسالة سميتها بـ "إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام"