للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأندلسي القرطبي المالكي، صاحب التصانيف الفائقة، مولده سنة ثمان وستين وثلاث مائة في الربيع الآخر، وقيل: في جمادى الأولى، وطلب العلم بعد سنة ٣٩٠ هـ، وأدرك الكبار، وطال عمره، وعلا سنده وتكاثر عليه الطلبة، وجمع وصنف، ووثق وضعَّف، وسارت بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان، وكان فقيهاً، عابداً، متهجِّداً، إماماً ديِّناً، ثقة، متقناً، علاّمة، متبحراً، صاحب سنة واتباع، وكان أولاً أثرياً ظاهراً فيما قيل، ثم تحولّ مالكياً مع ميل بيِّن إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم وقوة الفهم وسيلان الذهن. وقال الحميدي: فقيه حافظ مكثر عالم بالقراآت والخلاف، وبعلوم الحديث والرجال. وقال أبو علي الغساني: لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل قاسم بن محمد وأحمد بن خالد، ولم يكن ابن عبد البر بدونهما، وكان من النمر بن قاسط طلب، وتقدم ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه وأبا الوليد بن الفرضي، ودأب في الحديث وبرع براعة فاق بها من تقدم من رجال الأندلس، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطةٌ كثيرةٌ في علم النسب والأخبار، جلا عن وطنه، فكان في المغرب مدة، ثم تحول إلى شرق الأندلس فسكن دانية وبلَنسِية وشاطبية (كذا في الأصل: وفي "سير أعلام النبلاء": "شاطبية"، قال ياقوت: هي مدينة في شرقي الأندلس وشرقي قرطبة، وهي مدينة كبيرة قديمة، يجوز أن يقال إن اشتقاقها من الشطبة، وهي السعفة الخضراء الرطبة") وبها توفي (انظر "الصلة" ٢/ ٦٧٨، و"وفيات الأعيان" ٧/٦٦ - ٦٦) . وقال أبو داود المقرئ: مات ليلة الجمعة سلخ الربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة. قال أبو علي الغساني، ألف أبو عمر في "الموطّأ" كتباً مفيدة، منها: كتاب "التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد"، فرتبّه على أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم، وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله، وهو سبعون جزءً. قلت: هي أجزاء ضخمة جداً، قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه. ثم صنع كتاب "الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطّأ من معاني الرأي والأثار" هو مختصر التمهيد شرح

<<  <  ج: ص:  >  >>