للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه قال: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلُّوا بعدي، كتاب الله وسنتي، فَعَضُّوا عليهما بالنواجذ " ١.

فاعلموا يا بَنِيَّ بوصيَّة من ناصح جاهد، ومشفق شفقة والد، واستشعروا حبه الذي توافرت دواعيه، وعُوا مراشد هديه، فيا فَوْزَ واعيه! وصِلُوا السبب بسببه، وآمنوا بكل ما جاء به، مجملا أو مفصلا على حسبه، وأوجبوا التجِلَّة لصحبه، الذين اختارهم الله تعالى لصحبته، واجعلوا محبتكم إياهم من توابع محبته، واشملوهم بالتوقير، وفَضِّلوا منهم أولي الفضل الشهير، وتبرَّءوا من العصبية التي لم يدعكم إليها داعٍ، ولا تَعِ التشاجر بينهم أذن واعٍ، فهو عنوان السداد، وعلامة سلامة الاعتقاد، ثم اسحبوا فضل تعظيمهم على فقهاء الملة، وأئمتها الجِلِّة٢، فهم صَقَلة نُصُولهم، وفروع ناشئة من أصولهم، ووَرَثَتهم وورثة رسولهم، واعلموا أنني قطعت في البحث الزماني، وجعلت النظر شاني، منذ براني الله تعالى وأنشاني، مع نُبْل٣ يعترف به الشاني، وإدراك يسلِّمه العقل الإنساني، فلم أجد خابِطَ ورق، ولا مُصَبِّبَ عَرَق، ولا نازِعَ خِطَام، ولا متكلِّفَ فِطَام، ولا مقتحم بحر طَامٍ، إلا وغايته التي يقصدها قد نَضَلتها الشريعة وسبقتها، وفَرَعَت٤ ثنيَّتها وارتَقَتْها، فعليكم بالتزام جادَّتها٥ السَّابِلة، ومصاحبة رَِفُقتها الكاملة، والاهتداء بأقمارها غير الآفلة، والله تعالى يقول، وهو أصدق القائلين: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، وقد علت شرائعه، وراع الشكوك رائِعُه، فلا تستنزلكم الدنيا عن الدين، وابذلوا دونه النفوس فِعْلَ المهتدين، فلن ينفع متاع بعد الخلود في النار أبد الآبدين، ولا يضر مفقود مع الفوز بالسعادة والله أصدق الواعدين، ومتاع الحياة الدنيا أخسُّ ما وَرِث الأولاد عن الوالدين، اللهم قد بَلَّغْتُ فأنت خير الشاهدين، فاحذروا المَعَاطِبَ التي توجب في الشقاء الخلود، وتستدعي شَوْهَ الوجوه ونضج الجلود، واستعيذوا برضا الله من سُخْطِه، وارْبَئُوا بنفوسكم عن غَمْطِه، وارفعوا آمالكم عن القنوع بغرور قد خدع


١ أقصى الأضراس.
٢ جمع جليل.
٣ النبل: الذكاء والنجابة، والشاني: المبغض.
٤ فرعه: علاه، والثنية: العقبة، أو الجبل أو الطريقة فيه أو إليه.
٥ الجادة: الطريق الواضح، والسابلة من الطرق المسلوكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>