للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أيها الناس: أما بعد، فإن هذا الكلام يجيء أحيانا، ويَعْزُب أحيانا، فَيَسِيح عند مجيئه سَيْبُه١، ويَعِزّ عند عُزُوبه طَلَبُه، ولربما كُوبر فأبى٢، وعُولج فنأى، فالتأتِّي٣ لمجيِّه، خير من التعاطي لأبِيِّه، وتركه عند تنكُّره، أفضل من طلبه عند تعذِّره، وقد يختلِج٤ من الجريء جِنَانُه، وينقطع من الذَّرِب٥ لسانه، فلا يُبْطِره ذلك ولا يَكْسِره، وسأعود فأقول إن شاء الله"، ثم نزل، فما رُئِي حصر أبلغ منه.

وصعد أبو العَنْبَسِ منبرا من منابر الطائف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد: فأرتج عليه، فقال: أتردون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: لا. قال: فما ينفعني ما أريد أن أقول لكم، ثم نزل؛ فلما كان في الجمعة الثانية، وصعد المنبر وقال: أما بعد: أرتج عليه، فقال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: نعم. قال: ما حاجتكم إلى أن أقول لكم ما عَلِمْتُم؟ ثم نزل؛ فلما كانت الجمعة الثالثة، قال: أما بعد: فأرتج عليه، قال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: بعضنا يدري، وبعضنا لا يدري، قال: فليخبر الذي يدري منكم الذي لا يدري، ثم نزل.

وولي اليمامة رجل من بني هاشم يُعْرَفُ بالدَّنْدَان، فلما صعد المنبر أرتج عليه، فقال:


١ السيب: العطاء، وفي رواية: "فيتسبب عند مجيئه سبيه".
٢ وفي رواية: "فعا" أي اشتد وصعب.
٣ تأتي له: ترفق، وفي رواية: "فالتأني" بالنون.
٤ يضطرب.
٥ الحاد اللسان: وفي رواية: "ويرتج على البليغ لسانه"، وفي أخرى: "وقد يرتج على اللسن لسانه، ولا ينظره القول إذا اتسع، ولا يتيسر إذا امتنع، ومن لم تمكن له الخطوة، فخليق أن تعن له النهوة" وفي أخرى: "وقد يتعاصى على الذرب لسانه، ثم لا يكابر القول إذا امتنع، ولا يرد إذا اتسع، وأولى الناس من عذر على النبوة, ولم يؤاخذ على الكبوة، من عرف ميدانه، اشتهر إحسانه وسأعود وأقول".

<<  <  ج: ص:  >  >>