للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الجاهلية والإسلام. ثم إنك تعلم، وكل هؤلاء الرهط يعلمون أنك هجوت رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله بسبعين بيتًا من الشعر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: اللهم إني لا أقول الشعر، ولا ينبغي لي. اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة، فعليك إذن من الله ما لا يحصى من اللعن، وأما ما ذكرت من أمر عثمان؛ فأنت سعرت١ عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين، فلما أتاك قتله قلت: "أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها" ثم حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيًّا ولا غضبت له مقتولا، ويحك يابن العاص! ألست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي:

تقول ابنتي: أين هذا الرحيل؟ ... وما السير مني بمستنكر


= فامتنعت منه، ثم إن عمرا جلس على منجاف السفينة يبول "منجاف السفينة هو سكانها الذي تعدل به" فدفعه عمارة في البحر، فلما وقع عمرو سبح حتى أخذ بمنجاف السفينة، وضغن عمرو عليه في نفسه، وعلم أنه كان أراد قتله، ومضيا حتى نزلا الحبشة، فلما اطمأنا بها لم يلبث عمارة أن دب لامرأة النجاشي، فأدخلته، فاختلف إليها، وجعل إذا رجع من مدخله ذلك يخبر عمرا بما كان من أمره، فيقول عمرو: لا أصدقك أنك قدرت على هذا، إن شأن هذه المرأة أرفع من ذلك، فلما أكثر عليه عمارة بما كان يخبره، ورأى عمرو من حاله وهيئته ومبيته عندها حتى يأتي إليه مع السحر ما عرف به ذلك، قال له: إن كنت صادقا، فقل لها فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه وأتني بشيء منه حتى أصدقك، قال: أفعل، فسألها ذلك، فدهنته منه، وأعطته شيئًا في قارورة، فقال عمرو: أشهد أنك قد صدقت، لقد أصبت شيئًا ما أصاب أحد من العرب مثله قط، امرأة الملك! ما سمعنا بمثل هذا، ثم سكت عنه حتى اطمأن ودخل على النجاشي، فأعلمه شأن عمارة، وقدم إليه الدهن، فلما أثبت أمره دعا بعمارة، ودعا نسوة أخر، فجردوه من ثيابه، ثم أمرهن ينفخن في إحليله، ثم خلى سبيله، فخرج هاربًا.
١ سعر النار: كمن أوقدها، وكان عمرو أول خلافة عثمان واليا على مصر –منذ خلافة عمر بن الخطاب- ثم إن عثمان ولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح -وهو أخو عثمان من الرضاع- خراج مصر، وولى عمرو بن العاص على الجند، فلم يتفقا، فجمع لعبد الله الخراج والجند وعزل عمرا، فلما قدم عمرو المدينة جعل يطعن على عثمان، ويؤلب عليه، وخرج عمرو بعدئذ حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين، فكان يقول: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، والله إن كنت لألقى الراعي، فأحرضه عليه "نكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ فنديت".

<<  <  ج: ص:  >  >>