وأما نزول الوحي بعد الفترة، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاورت بحراء شهراً، فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا، فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ثم نظرت عن يساري فلم أر شيئاً، ثم نظرت عن أمامي فلم أر شيئاً، ثم نظرت عن خلفي فلم أر شيئاً، ثم نوديت، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فأتيت خديجة فقلت: زملوني، فأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر. قم فأنذر).
وأما فترة الوحي، فلحكم - والله أعلم -:
أحدهما: الاختبار له عليه السلام، الذي جرت عادة الله سبحانه أن لا يمنح أحد من أصفيائه حتى يختبره، كما قال تعالى في حق موسى عليه السلام:(وفتناك فتوناً)[طه: ٤٠]، وقال تعالى في حق إبراهيم عليه السلام:(إن هذا هو لهو البلؤا المبين)[الصافات: ١٠٦]، وفي حق داوود عليه السلام:(وظن داوود أنما فتناه)[ص: ٢٤]، وفي حق سليمان عليه السلام:(ولقد فتنا سليمان)[ص: ٣٤]، ثم قال تعالى في المنحة بعد المحنة:(فسخرنا له الريح تجري بأمره حيث أصاب)[ص: ٣٦] إلى آخر الآية.
فهذه عادة الله له في أحبائه له في ذلك حكم، أن يبتليهم قبل الاصطفاء الكامل، قال تعالى:(ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم)