وعلى كل حال، فمعرفة سببها بين أن المعنى غير ما تبادر من اللفظ.
فإن قلت: إن القاعدة المشهورة: أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
فالجواب: أنه كذلك ما لم يقم دليل على تخصيص اللفظ، وقد قام غليه.
ومن فوائد علم أسباب النزول: أن اللفظ قد يراد به المعارضة، والرد على قوم لإثبات أمر أو حكم، فإذا علم أن السبب هو الرد والمعارضة اتضح المعنى، وإذا لم يفهم استشكل.
مثال ذلك: قوله تعالى: (إن الصفا والمروة .... ) إلى أن قال: (فلا جناح عليه أن يطوف بهما)[البقرة: ١٥٨]، فإن اللفظ يفهم منه أن السعي ليس واجباً، وليس المعنى على ذلك، ولذا ردت عائشة - رضي الله تعالى عنها- على عروة في فهمه ذلك، وبينت أن السبب في ذلك: أن الصحابة تحرجوا من السعي بينهما؛ لكونه من عمل الجاهلية، فنزلت فظهر من السبب المعنى.