الثاني: أن تكون ألفاظ الكلام ملائمة للمعنى المراد؛ فإن كان مفخمًا كانت ألفاظه مفخمة، أو جزلًا فجزلة، أو غريبًا فغريبة، أو متداولًا فمتداولة، أو متوسطًا بين الغرابة والاستعمال؛ فكذلك.
فالأول كقوله الله تعالى:{قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضًا}[يوسف: ٨٥]، أتى بأغرب ألفاظ الإقسام، وهي التاء؛ فإنها أقل استعمالًا، وأبعد من أفهام العامة بالنسبة إلى الباء والواو، وبأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار، فإن «تزال»، أقرب إلى الأفهام، وأكثر استعمالًا منها، وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو الحرض، فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة، توخيًا لحسن الجوار ورعاية في ائتلاف المعاني بالألفاظ، ولتتعادل الألفاظ في الموضع وتتناسب في النظم.
ولما أراد غير ذلك قال:{وأقسموا بالله جهد أيمانهم}[فاطر: ١٢]، فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابة فيها.
ومن الثاني قوله تعالى:{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}[هود: ١١٣]، لما كان الركون إلى الظالم؛ وهو الميل إليه، والاعتماد عليه، دون مشاركته في الظلم، وجب أن يكون العقاب عليه دون العقاب على الظلم، فأتى بلفظ «المس» الذي هو دون الإحراق والاصطلاء.
وقوله تعالى:{لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}[البقرة: ٢٨٦]، أتى بلفظ «الاكتساب» المشعر بالكلفة والمبالغة في جانب السيئة لثقلها.