فإن قلت: ما وجه إنكار موسى عليه السلام على الخضر: {فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض فأقامه}[الكهف: ٧٧]، فإن إقامة جدار يريد أن ينقض أمر حسن لا يخالف الشرع، بخلاف (المسألتين المتقدمتين)؟ .
قلت: الجواب -والله أعلم- أن موسى والخضر لما [لم يضيفهما] أهل القرية صارا في شدة، ووصلا إلى حد الإضرار، ولما كان الخضر قادرًا على أن ينتفع [بنفسه] بأن يتكلم مع أهل الجدار ويأخذ منهم أجرًا على إقامة الجدار ويقتات به هو وموسى عليه السلام وترك هذا الأمر، توجه إنكار موسى عليه السلام.
فإن قلت: لم عبر الخضر فيما حكاه الله عنه في قوله لموسى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها} بالكهف: ٧٩]، فنسب الإرادة [إلى نفسه]، وقال في حق الغلام:{فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا}[الكهف: ٨١]ـ وقال في حق الجدار: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما}[الكهف: ٨٢]؟ .
قلت: لما كان ظاهر خرق السفينة إفسادًا وإضرارًا، نسبه إلى نفسه، وهكذا ينبغي أن يكون الأدب مع الله تعالى في نسبة المقدورات المذمومة إلى النفس على وجه التعظيم والتنزيه لله تعالى، وكذلك لما كان قتل الغلام من الإفساد والإضرار الظاهر. نسبه إلى نفسه، وأتى بضمير المتكلم ومعه غيره أو التعظيم نفسه للإشارة إلى قوته وجسارته وإقدامه على الأمور وهو شأن الرجل القوي.