في الخاطريات في قوله:[تعالى]: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى (٦٥)} [طه: ٦٥]: أن العدول عن قوله [تعالى]: «وإما أن نلقي» لغرضين: أحدهما لفظي، وهو المزاوجة لرؤوس الآي، والآخر معنوي، وهو أنه تعالى أراد أن يخبر عن قوة أنفس السحرة واستطالتهم على موسى [عليه السلام]، فجاء عنهم باللفظ أتم وأوفى منه في إسنادهم الفعل إليه.
ثم أورد سؤالًا، وهو: إنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان، فنذهب بهم هذا المذهب من صنعة الكلام؟
وأجاب: بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو معرب عن معانيهم، وليس بحقيقة ألفاظهم، ولهذا لا يشك في أن قوله تعالى: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى (٦٣)} [طه: ٦٣]؛ أن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.
الثامن: قال البارزي في أول كتابه «أنوار التحصيل في أسرار التنزيل»:
أعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض؛ ولذلك كل واحد من جزأي الجملة، قد يعبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولا بد من استحضار معاني الجمل، أو استحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ، ثم استعمال أنسبها وأفصحها، واستحضار هذا متعذر على البشر في أكثر الأحوال؛ وذلك عتيد حاصل في علم الله تعالى، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه، وإن كان مشتملًا على الفصيح والأفصح، والمليح والأملح، ولذلك أمثلة، منها قوله تعالى:{وجنى الجنتين دان}[الرحمن: ٥٤]، لو قال مكانه:«وثمر الجنتين قريب»، لم يقم مقامه من جهة الجناس