وجاهد في الله حق جهاده فأوذي كثيرا، ثم نصره الله تعالى، فدعا قومه إلى الله سبحانه وتعالى، وترك ما هم عليه من عبادة الأصنام، وحاجهم في ذلك، وبكت عليهم، وبين لهم فساد ما هم عليه، وأرشدهم إلى أن الذي يستحق العبادة هو من ينفع ويضر، فلم يجد ذلك فيهم، فتركهم إلى أن ذهبوا لمجتمع لهم وعيد من أعيادهم، فعمد إلى أصنامهم فكسرها جميعا إلا صنما واحدا كبيرا.
فلما جاؤوا ووجدوا آلهتهم على تلك الحالة حزنوا لذلك كثيرا، وتشاوروا فيما بينهم:(من فعل هذا بالهتنآ)(الأنبياء: ٥٩)، فقال: إبراهيم عليه السلام تبكيتا عليهم: (فعله كبيرهم هذا فسلوهم إن كانوا ينطقون)(الأنبياء: ٦٣)، ثم قالوا فيما بينهم وتحققوا أن الفاعل لذلك إبراهيم عليه السلام لما سبق منه من الطعن في آلهتهم وتقبيح ما هم عليه، فعرضوا أمرهم على ملكهم، وكان ملكهم نمرود بن كنعان، وكان من طغاة الملوك وجبابرتهم، قد مد الله سبحانه وتعالى له في العمر وبسط له في الرزق وأعطاه من القوة والشوكة أمرا عظيما وحالا فخيما، فطغى بذلك، وبغى وتكبر، وكان قد ملك من الأرض جانبا عظيما، فأخبر بفعل إبراهيم عليه السلام بآلهتهم، فبعث إليه وهدده وخوفه،