فقال له: إنك لا تقدر على متابعتي وصحبتي. فقال له موسى عليه السلام: ستراني إن شاء الله قادرًا على صحبتك، فمرت بهم سفينة عظيمة فطلبوا أهلها أن يحملوهم، فلما استقروا فيها أخذ الخضر عليه السلام قدومًا فكسر لوحًا من ألواح السفينة وأخرجه، فأنكر عليه موسى عليه السلام قائلًا له: قوم حملونا وأكرمونا تعيب سفينتهم! فقال لهم: ما قلت لك: إنك ما تقدر على مرافقتي، فاستغفر موسى عليه السلام له، وقال: قد نسيت فلا تؤاخذني، ثم خرجا من السفينة ومشيا في مدينة، فرأيا غلامًا حسن الصورة بديع الشكل، واسمه حيسون، فجذب الخضر عنقه فاقتلعها من جسده فرماه ميتًا، فأنكر عليه موسى عليه السلام قائلًا: أتقتل غلامًا بلا سبب؟ فقال له: ألم أخبر أن لا تقدر على مرافقتي. فقال له موسى عليه السلام: لا أعود، وإن عدت فلا تصحبني أبدًا.
فخرجا مشيًا وانتقلا من موضع إلى موضع حتى وصلا إلى مدينة أنطاكية وهما جياع، فطلب أن يضيفوهما فلم يضيفوهما، فخرجا منها فوجد الخضر عليه السلام جدارًا مائلًا يكاد أن يقع، فمسح بيده عليه فاستقام كأحسن ما يكون، فقال له موسى عليه السلام: لو أخذت أجره منهم فأكلنا بها فكان خيرًا، فقال له الخضر: هذا فراق بيني وبينك، ولكن اجلس فسأخبرك عما صنعت معك.
أما السفينة فهي لمساكين يعملون في البحر، وأن ملكًا جبارًا يغصب السفائن التي تعجبه، فخرقي لها حتى أعيبها فلا تعجبه ولا يأخذها.
وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين صالحين، وكان هو في علم الله شقيًا كافرًا، فعلم الله -جل شأنه- أنه يتعب أبويه ويؤذيهما، فأرحتهما منه بأمر الله تعالى، ويعوضهما الله -جل شأنه- خيرًا منه.
قيل: إنه عوضهما الله -جل شأنه- بنتًا تزوجت بنبي من الأنبياء، فأتت بني عظيم هدى الله -جل شأنه- به أممًا عظيمة.
وأما الحكمة في عمارة الجدار؛ فإنه كان ليتيمين: واسمهما أصرم وصريم، وكان تحته كنز لهما من ذهب، وكان أبو الغلامين رجلًا صالحًا،