ومن عجائب قصصه عليه السلام أن رجلًا من بني إسرائيل ادعى على رجل عظيم كبير أنه غصب بقرته، فطلب الرجل المدعي بينة، فلم يأت بها ولم يعترف الغاصب، فقال لهما داود عليه السلام: قوما حتى أنظر في أمركما فذهبا، فأوحي الله -جل شأنه- إليه في المنام أن يقتل الرجل الذي ادعى على صاحبه أنه غاصب البقرة، فقال داود عليه السلام: هذه رؤية ولا أعمل. فلم يزي يؤمر بقتله ثلاثًا، فعلم أنه حق. فدعا الرجل: وقال له: إني قاتلك وقد أمرت بذلك. فقال: كيف تقتلني بلا بينة ولا دليل، فقال له: لا بد أن أنفذ فيك أمر الله تعالى، فعلم أنه لا بد من ذلك، قال: لا تعجل علي حتى أخبرك، والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكنني قتلت أبا هذا الرجل خفية وغيلة، فأخذت بذلك، فأمر به داود فقتل.
فاشتدت هيبة داود عليه السلام وقوي ملكه. وقد أشار الله عز وجل إلى ذلك بقوله -عز من قائل-: {وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب}[ص: ٢٠]. وهي الإصابة في الرأي، ومعرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه، وفصل الخطاب يعني البينة على المدعي واليمين على المنكر؛ لأنه يفصل الحكم، وهو فصل عظيم.
ومن القصص العجيبة الواقعة له قصة امرأة أرويا وهي مشهورة معروفة مذكورة في الكتاب العزيز، وذلك أن داود عليه السلام كان صاحب مقام عظيم في الوجه، ومحل جليل في الشوق (غابت الإحساس بسكر الحال في كثير من الأهوال)، وكان لسان حاله يقول: وليس لي في سواك قصد، فكيف مما شئت فأخبرني! فأراد الحق أن يبتليه لما سبق في علمه أ، يبتلي أحبابه وأصفياءه وليكونوا قدوة للعارفين وتسلية للمحسنين وعزاء للمتأخرين، فرأى