{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها}[سبأ: ١٨]؛ أي: قرى الشام قرى ظاهرة يرى بعضًا من بعض بمقربها، فبطروا النعمة {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا}[سبأ: ١٩]؛ أي: بمفاوز بينهم وبين الشام يركبون الرواحل، فعجل الله -جل شأنه- لهم الإجابة، كما قال عز من قائل: {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وزلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزقٍ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (١٩)} [سبأ: ١٩].
وكانوا يقتتلون على ماء واديهم، فأمرت بلقيس بواديهم فسد بالعرم وهو المستاه بلغة حمير، فسدت ما بين الجبلين بالصخر والقار وجعلت له أبوابًا ثلاثة بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة ضخمة، وجعلت فيها اثني عشر مخرجًا على عدة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنوا سدوها، وإذا جاء المطر اجتمع إليه أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد، فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه في البركة، فكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الباب الثاني ثم من الباب الثالث، فلا ينفد الماء حتى يرجع الماء من السنة المقبلة، وكان السيل يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يستقر في واديهم فيجتمع الماء من تلك السيول والجبال في ذلك الوادي، وكان السد فرسخين في فرسخ.