العرب إليها مزاحمة للبيت الشريف، فأرسل إلى النجاشي يعرفه ذلك، فلما رام ذلك قصدها بعض الأعراب وأحدث بها ووضع فيها نجاسة، فلما رأى أبرهة ذلك غضب وأقسم ليطأن مكة وليهدمن البيت، فتوجه واستصحب معه طائفة عظيمة من الجنود قاصدًا مكة -شرفها الله تعالى-.
فما بلغ الغرب ذلك شق عليهم واجتمعت قبائلهم المحاربة، ووقف كثير منهم في مقابلته فكسر كل من في طريقه إلى أن وصل أرض ثقيف، فجاء إليه جماعة منهم خوفًا أن لا يهدم بيتهم المسمى باللات، فأرسلوا معه رجلًا منهم يقال له:(أبو رغال) يدله على طريق مكة ويعرفه بها، فلما وصل المغمس مات أبو رغال ودفن ورجمت الناس قبره من ذلك الحين، ولما وصل أبرهة قريبًا من مكة أرسل جماعة من أصحابه فنهبوا أموالًا وغنمًا وإبلًا لأهل مكة، وفيها مائتا بعير لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل أبرهة خارج مكة وهو مجمع على هدم البيت، ومعه فيل عظيم يقال له:(محمود) ويقدمه في الحروب، فتفرق أهل مكة في البر خائفين منه، وخلوا البلد، وأقبل عبد المطلب حتى وصل إلى معسكر أبرهة، فأخبر أبرهة أنه سبد أهل البلد وعظيمهم فأذن له. كان عبد المطلب بهيًا ذا هيبة وجمال، فلمام رأى أبرهة عظمته جلس معه وخاطبه وألان له، ثم سأل ترجانه ماذا يريد؟ وما حاجته؟ فقال: أريد مائتي بعير لي نهبت، أريد أن يعيدها لي، فقال أبرهة للترجمان: قل له: إنك لما دخلت علي عظمتك وأحببتك ورأيت أنك ذا كمال وعقل، وأنت لست كذلك، كيف تسألني عن مائتي بعير لك؟ ! ولا تسألني وتشفع إلي أن أرجع عن هدم بيت هو قبلتك وقبلة آبائك وشرفك وشرفهم؟ ! فقال