محجوبة بالصفات، والصفات بالأفعال بالألوان والآثار، فمن تجلت عليه الأفعال بارتفاع حجب الأفعال، رضي وسلم. ومن تجلت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات، حتى في الوحدة فصار موحدًا مطلقًا فاعلًا ما فعل، وقارئًا ما قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم}. فتوحيد الأفعال مقدم مع توحيد الصفات وهو على توحيد الذات، وإلى الثلاثة أشار -صلوات الله وسلامه عليه- في سجوده:«أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك».
{الحمد لله رب العالمين ... } إلى آخر السورة.
الحمد بالفعل ولسان الحال هو ظهور الكمالات، وحصول الغايات من الأشياء آتية فاتحة ومدح لمولاها بما يستحقه فالموجودات كلها بخصوصياتها، وخواصها وتوجهها إلى غايتها، وإخراج كمالاتها من حيز القوة إلى الفعل مسبحة جامدة كما قال تعالى:{وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده}، فتسبيحها إياه تنزيه من الشرك، وصفات النقص والعجز باستنادها إليه وحده، ودلالتها على وحدانيته وقدرته، وتحميدها إظهار كمالاتها المترتبة، ومظهرتها لتلك الصفات الجلالية والجمالية. وهي بذاته بحسب مبدئيته للكل وحافظيته ومدبريته له التي هي الربوبية للعالمين؛ أي لكل ما هو علم الله تعالى وعلم به. فالخاتم لما يختم به، والغالب لما يغلب فيه، وجمع السلامة لاشتماله على العلم أو للتغليب، وبإزاء إفاضة الخير العام والخاص؛ أي النعمة الزاهرة كالصحة والرزق، والباطنة كالمعرفة والعلم باعتبار منتهائيته التي هي مالكية الأشياء في يوم الدين، إذ لا يجزي في الحقيقة إلا المعبود الذي ينتهي إليه الملك وقت الجزاء، بإنابة النعمة الباقية عن الغاية عند التجرد عنها بالزهد، وتجليات الأفعال عند انسلاخ العبد عن أفعاله، وتعويض صفاته عند المحو عن صفاته وإبقائه بذاته، وهبته له الوجود عند فنائه، فله تعالى مطلق الحمد، وماهيته أزلًا وأبدًا على حسب استحقاقه إياه بذاته باعتبار البداية والنهاية وما بينهما في مقام الجمع على ألسنة التفاضيل فهو الحامد