[تعريف السنة عند أهل العقيدة والمحدثين والفقهاء]
ذكر المصنف اعتقاد علي بن المديني قال رحمه الله: فقلت: أعزك الله السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها، ثم قال: الإيمان بالقدر خيره وشره.
السنة في اللغة: الطريقة.
وفي الشرع لها تعاريف عند أهل الحديث، وعند أهل الأصول، وعند أهل الفقه، وعند أهل الاعتقاد.
فالسنة عند أهل الحديث هي: كل ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية، أو صفة خُلُقية، ومثال القول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ومثال الفعل: ما ثبت في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه حذو منكبيه) وأيضاً بعض الرواة وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (كان إذا سجد يجنح في سجوده) يعني: يوسع بين يديه في السجود، أما ما يقع من ضم بعض الناس اليوم فهو خلاف السنة، والصحيح الراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوسع حتى جاء في بعض الروايات أنه لو مرت عنزة صغيرة لمرت، وهذه هي السنة في السجود.
ومثال التقرير: أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى حكماً أو يسمع حكماً فيقرره، كما ثبت أن جابراً قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقر الصحابة على العزل.
أما الصفة الخَلْقية أو الخُلُقية فيندرج تحتها كل ما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة.
أما أهل الأصول فهم ينظرون إلى كيفية استنباط الحكم من الدليل فلذلك كان تعريف السنة عندهم: ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقريره، فقط.
دون الصفة الخَلْقية والخُلُقية.
أما أهل الفقه: فالسنة عندهم ما يكون مقابل الواجب، يعني: هي النافلة، والنافلة: هي خطاب الشارع للمكلفين لا على وجه اللزوم، وإنما على وجه الاستحباب.
وحكمها أنه يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فسنة الظهر -مثلاً- يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.
والسنة عند أهل العقيدة: ما كان مقابل البدعة.
فالسنة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها ثم قال: الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها، لا يقال: لم ولا كيف؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها.
كما قال الإمام الشافعي: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله، وهذا محض التسليم.
ففي هذه المسائل لا يقال: لم ولا وكيف؟ صفات الله جل وعلا لا يقال: كيف؟ لأن الكيف عندنا فنفوض أمره إلى الله جل وعلا، والمعنى لا يفوض؛ لأن المعنى معلوم، والذين يفوضون المعنى هم المفوضة، فهم يقولون في السميع: لا نعلم عنه غير الألف واللام والسين والميم والياء والعين فقط.
وهذا خلاف اعتقاد أهل السنة، فأهل السنة يعلمون المعنى، ولذلك من الكلام المشهور عن مالك أنه سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم -أي: في اللغة-، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، لذا المعنى لا يفوض وإنما الكيفية هي التي تفوض، أما في الأحكام فلا نقول: لم؟ في الأحكام التي غابت عنا.