ومن جوانب العظمة في شخصية عمر أنه اهتم بعبادات الناس بعدما اهتم بالتوحيد الخالص؛ لأنهم لن يصلوا إلى ربهم جل وعلا إلا بتوحيد خالص ولن يرتقوا عنده إلا بتوحيد خالص، فاهتم بعبادات الرعية واهتم بالدين؛ فإن الدين هو الذي يأتي بالنصر، وكان صلاح الدين الأيوبي يمر على جنوده فينظر: إن رآهم في قيام الليل وقراءة القرآن وذكر الله قال: من هنا يأتي النصر، وإن مر عليهم فوجدهم يمرحون ويلعبون قال: من هنا تأتي الهزيمة، وما من قائد عسكري كان من لدن الخلافة التي جابت مشارق الأرض ومغاربها إلا كان يهتم بالعبادة.
وإذا نظرنا في انتصاراتهم ومحصنا النظر وقرأنا في التاريخ نرى أنه لا يمكن أن ينتصر إلا أن يُعْبِّد الناس لله جل وعلا، ثم يذهب بعد ذلك إلى القتال، والله جل وعلا يجعل النصر لأهل الإسلام، فكان يقول: عبادة الناس هي التي تأتي بالتمكين للحق، وبالنصر للحق، فكان يهتم بأهم العبادات وبالركن الرصين والأصل الأصيل لهذا الدين وهو الصلاة، ويضرب عليها، ويضرب على الخشوع فيها، بل جمع الناس لصلاة التراويح، ولما نظر إلى المسجد ووجده يؤمه رجل واحد، ووجد الناس يصلون مع هذا الإمام، قال: نعمت البدعة هي، ويقصد بذلك المعنى اللغوي.
وكان يضرب على الخشوع وكان هو يخشع بلسان الحال، فمرة صلى بالناس في الفجر فقرأ من سورة يوسف حتى وصل إلى قول الله تعالى:{إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف:٨٦] فبكى بكاءً شديداً حتى سمع نحيبه من آخر الصفوف، فرضي الله عنه.
وكان يعدد الطرق للعبادات، فلعبادة الحج كان من المسارعين، فقد حج مع الناس عشر سنوات، وعلم الناس مناسك الحج، وفي الزكاة وفي الصوم كان يحث الناس على الزكاة، ونشر الدواوين، وكان يهتم بإبل الصدقة، وهو الذي أمر بوسم إبل الصدقة ليميزها عن غيرها.