للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (وهو الله في السماوات وفي الأرض)]

فإن قالوا: عندنا دليل آخر أقوى من هذا الدليل لا تستطيعون الرد عليه، وهو قول الله تعالى: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ))، والواو للعطف، فيكون المعنى: هو الله في السماوات وهو الله في الأرض، وهذا يدل على أن الله جل وعلا في كل مكان! فنقول لهم أولاً: القرآن لا يتضارب، وقد أثبتنا بالدليل المتواتر أن الله فوق العرش، ويعلم ما نحن عليه، كما أجمع الصحابة والتابعون وتابعو التابعين على ذلك، فإذا قد أثبتنا بالتواتر أن الله فوق العرش فإن ظاهر هذه الآية: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ)) تتساوى مع أن الله فوق العرش فقط، فنقر بهذه، ولكن ما نقر بالثانية، وهي: أن الله في الأرض.

يعني: هذه الآية بالتواتر أثبتت أن الله فوق السماء، يعني: على العرش فوق السماوات، أما في الأرض فلا نقر؛ لأن الآيات الثابتة ثبوت الجبال الرواسخ لا تقر هذا الكلام، وهو أن الله في الأرض، وحاشا لله أن يكون كذلك، هذا الرد إجمالاً.

أما التفصيل فنقول: أولاً: الاستدلال بهذه الآية بعيد جداً من ناحية دلالات الأسماء الحسنى والصفات العلى؛ لأن القاعدة في أسماء الله جل وعلا: أن كل اسم من أسماء الله هو اسم من الأسماء الحسنى، ومن تمام الحسن: أنه يتضمن صفة كمال، فالرد على الاستدلال بهذه الآية من الدلالات: أن قول الله تعالى: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ))، أن الله اسم من أسماء الله الحسنى يتضمن صفة الإلهية.

وصفة الإلهية تعني: أنه إله، يعني: تألهه القلوب وتحبه وتعبده الأبدان والقلوب.

إذاً: فقوله تعالى: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ)) يعني: أنه المألوه المحبوب في السماوات، المعبود فيها، وهو الله في الأرض، أي: المألوه المحبوب المعبود في الأرض.

إذاً: أول رد عليهم من دلالات الأسماء، فإن اسم الله الأعظم الله يتضمن صفة الإلهية، وصفة الإلهية تعني: أنه هو الذي تألهه القلوب، يعني: تعبده القلوب وتحبه، فالله مألوه، يعني: معبود في السماوات وفي الأرض.

فإذاً: هذه الآية حق على ظاهرها، وهذا تأويل بالقرائن.

الرد الثاني: وهو من القراءات المتواترة، فهناك وقف لازم عند قوله تعالى: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ))، فيوقف وقفاً لازماً؛ لأن الآية بعد ذلك مستأنفة، وليست معطوفة مرتبطة بالتي قبلها.

فنقرأ: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ))، ثم نسكت، وهذا قول ابن جرير، فنقف على (السماوات) ثم نستأنف: (وفي الأرض يعلم سركم وجهركم) فقوله تعالى: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ)) قد دلت الأدلة على أن الله في السماوات، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء)، وفي سؤاله للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء) وقال تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦].

فكل هذا يتواكب مع قول الله تعالى: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ)).

ثم نستأنف: ((وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) وهذا موافق لنص حديث ابن مسعود الموقوف: (الله فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه).

وقد نقل عن الإمام أحمد وأنس بن مالك والإمام الشافعي في عقيدة أهل الحديث: أن الله في عليائه فوق العرش، ويعلم ما أنتم عليه، علمه لا يخلو منه مكان.

إذاً الرد الثاني: أننا نقف وقفاً لازماً عند قوله تعالى: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ))، والأدلة كلها قاطبة تؤكد هذا، ثم نستأنف ((وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) يعني: مع أنه فوق السماء فإنه يعلم ما أنتم عليه، ولا تخفى عنه خافية.

الرد الثالث على ذلك: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} [الأنعام:٣]، أننا لو قلنا: إن الله جل وعلا في السماوات وفي الأرض دل ذلك على أن الله في كل مكان، ويلزم منه اللوازم الباطلة التي سبق أن سردناها.