للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على الشبهة الثانية من شبه المرجئة]

الشبهة الثانية أنهم قالوا: الإيمان واحد لا يتبعض، فلازم القول لذلك أن كمال الإيمان شيء واحد لو انتفى منه جزء انتفى باقيه، فنقول: هذا المقدمة مخالفة ومصادمة لصريح الكتاب، وصريح السنة، وصريح الآثار التي وردت عن السلف والتابعين، أما المصادمة لصريح الكتاب فإن الله جل وعلا بين وأثبت للمرء إيمان وكفر، وإيمان ونفاق في كتابه وأيضاً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه دلالتها أن الإيمان يتبعض، إذ هو شعب كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان بضع وستون) وفي رواية: (بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وذكر ابن القيم أن شعبة الإيمان القريبة من لا إله إلا الله تأخذ حكم لا إله إلا الله، فالذي يكفر بعدم قول لا إله إلا الله يكفر بالشعبة التي قربت من لا إله إلا الله مثل الصلاة، حيث يكفر لتركها، وإذا نزلت الشعبة إلى مرتبة الأذى أخذت حكمها، وتارك هذه الشعبة إيمانه ناقص غير كامل.

ونقول: الإيمان حقيقة مركبة من قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، ونقل الشافعي الإجماع على ذلك، ونقل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع من أدرك من التابعين ومن بعدهم من الصحابة على أن الإيمان قول وعمل ونية، فعمل القلب: هو تحركه إذا سمع أمراً من أوامر الله جل وعلا، ويعزم عزماً صادقاً على فعله، أما قول القلب: فهو التصديق والإقرار، فهو التصديق والجزم بأن الله هو خالق السماء، وخالق الأرض، وأنه الرازق الأوحد، وأنه المعطي المانع، الضار النافع، إلى غير ذلك.

والمرجئة تتفق مع أهل السنة والجماعة في ذلك، أما قول اللسان وعمل الجوارح فهو ما فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة).

ومن أعمال القلوب: الانقياد والخوف والحياء والرجاء، وهي داخلة في مسمى الإيمان.

ومن أعمال الجوارح: الصلاة، والزكاة، والحج، فمنها عبادات بدنية كالصلاة، ومنها عبادات مالية كالزكاة، ومنها عبادات بدنية مالية كالحج، وهذه كلها تدخل في مسمى الإيمان بإجماع السلف.

وهناك آيات كثيرة تدل على ذلك منها قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:٢٧٧]، وقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢]، فكل هذه من أعمال القلب، ثم قال: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ} [المائدة:٥٥]، وهذه أيضاً أعمال، ثم ختم الآية بقوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:٤]، فهنا صريح الكتاب يثبت أن المؤمن الحق هو من أتى بأعمال القلوب وأعمال الجوارح، ضاماً إلى ذلك تصديق القلب وقول اللسان بالشهادتين.

أما الأحاديث فمنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت) ـ يعني بالإيمان وعمرت ـ (صلح الجسد) فالجوارح تابعة للقلب.

فالقول بأن الإيمان حقيقة مركبة من قول وعمل مضاد لما قالته المرجئة: بأنه جزء واحد لا يتبعض.