للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رؤية الله عز وجل في الجنة والأدلة على ذلك]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: هذا آخر الكلام عن اعتقاد إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل ثم يبقى له أيضاً كلام جيد في الرؤية عليه رضوان الله ورحمته، ولنا أن نقول: عليه رضوان الله، قال عنه الأئمة: حفظ الله هذا الدين بـ أبي بكر في الردة, وبـ أحمد بن حنبل في الفتنة, وهذه الفتنة: هي فتنة خلق القرآن, رحمة الله عليه.

ورؤية المؤمنين ربهم على نوعين: رؤية منفية, ورؤية مثبتة, أما الرؤية المنفية: فهي التي في الدنيا, -فلن يرو ربهم في الدنيا- أما الرؤية المثبتة: فهي الرؤية في الآخرة.

وأما الدليل على أن المؤمنين لا يرون ربهم في الدنيا: فهي أن أحب الخلق إلى الله في زمانه وهو من أولي العزم طلب ذلك من الله ولم ينله، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:١٤٣]، فقال الله تعالى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:١٤٣]، فلم ير الله جل وعلا.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن ترو ربكم حتى تلقوه)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم, فنفى الرؤية في الدنيا.

بقي إشكال واحد وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه في الدنيا, وهذه المسألة خلافية بين العلماء، والصحيح الراجح فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه؛ لأنه قال عندما سألوه: رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه)، أي: كيف أراه؟ أو ما رأيت إلا النور, وقال في رواية أخرى: (رأيت نوراً)، فلم ير الله جل وعلا, ولكنه رأى الحجاب وهو النور, وهذا هو الراجح.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه جل وعلا بفؤاده مرتين, ورآه أيضاً في المنام, وللمؤمنين أن يروا ربهم في المنام, نسأل الله أن يجعلنا كذلك ممن يرونه في المنام, آمين يا رب العالمين! أما الرؤية المثبتة: فهي التي تكون في الآخرة، وقد بين الله جل وعلا أننا سنرى ربنا في الآخرة, وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في عدة أحاديث.

أما الآيات: فقد قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] أي: النظر إلى وجه الله الكريم -رزقنا الله وإياكم هذا الفضل العظيم-.

قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣]، وقال جل وعلا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]، وقد فسرها خير من يفسر كلام الله جل وعلا: وهو صلى الله عليه وسلم فقال: (الزيادة: رؤية الله في الجنة) صلى الله عليه وسلم.

وقال الله تعالى أيضاً: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]، وهذه الآية تثبت قطعياً رؤية المؤمنين لربهم؛ لأنها من المتضادات, قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]، فلما حجبهم الله في حال الغضب، جعل المؤمنين يرونه في حال الرضا.

والأوضح من ذلك قول الله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:٣٥ - ٣٦]، فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون, ولا تستوي الظلمات والنور, فإذا قلت: إن المؤمنين لا يرون ربهم, وأنهم قد حجبوا عنه, فقد سويت بين المؤمنين والكافرين، والشريعة جاءت بالتفريق بين المختلفين, فالمؤمن غير الكافر، فإن كان عقاب الكافر ألا يرى الله جل وعلا, فجزاء المؤمن يكون برؤية الله جل وعلا.

وفي الصحيحين: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضارون في رؤيته) وفي رواية (لا تضامون في رؤيته)، وهذا من باب تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي؛ لأن الله لا يشبه القمر، فالله جل وعلا ليس كمثله شيء, لكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنكم سترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر لا تتضررون بالنظر إليه، وفي الرواية الأخرى: (لا تضامون) يعني: لا يحدث لك ضيم، أي: ظلم, فلا يحدث الانضمام لبعضكم إلى بعض فتتزاحمون, فلا يرى البعض ربهم جل وعلا, فهذا لا يحدث, بل سترونه كما ترون القمر في هذه الدنيا البسيطة بالنسبة إلى الآخرة وما فيها وفي عرصات القيامة والله أعلم، -نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يرى وجهه الكريم- فلا فرح ولا نعيم في الجنة إلا برؤيته، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بعدما يستقر أهل الجنة في الجنة, فيكشف الحجاب فيرون ربهم، فما تنعموا بنعيم مثل هذا النعيم).

رزقنا الله وإياكم هذا النعيم, آمين يا رب العالمين!