خلق الله لأفعال العباد أمر دل عليه الكتاب والسنة، أما الكتاب فقد قال الله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد:١٦]، ولفظ (شيء) نكرة في سياق الإثبات يفيد الإطلاق، وكل من ألفاظ العموم، أي: أن الله جل وعلا خلق كل شيء، ومن هذا الشيء فعل العبد من طاعة أو معصية.
وقال الله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:٩٦]، وهذا تصريح بأن الله خلق أفعال العباد.
وقال جل وعلا:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}[النجم:٤٣]، فالضحك والبكاء من خلق الله جل وعلا.
هذا من الكتاب.
أما من السنة فما رواه البخاري في خلق أفعال العباد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الله خلق كل صانع وصنعته)، وفي حديث آخر قال:(كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس)، ولذا قال البخاري: سكنات الإنسان، وحركاته، وأصواته، وحروفه، كلها مخلوقة لله جل وعلا، حتى قال: ووضع المرء يده على خده مخلوقة لله جل وعلا.
هذا الدليل الأثري.
أما من جهة النظر والعقل؛ فإن العقل الصحيح لا يخالف النص الصريح، فالعقل يدل على أن الله قد خلق فعل العبد، ففعل العبد صفة من صفات العبد، ودائماً نقول: الصفة تتبع الموصوف، فقولنا: محمد كريم، أي: الكرم صفة من صفات محمد، فلا يأتيه أحد إلا ويكرمه ويهش ويبش عند لقائه، إما أن يكرمه بكلمة طيبة أو بما عنده من علم ومال، ومحمد هذا مخلوق لله، فإذا كان الموصوف مخلوقاً لله فمن باب أولى الصفة التابعة للموصوف، فهي مخلوق لله، فالكرم الذي هو صفة تابعة للموصوف الذي هو محمد مخلوقة لله جل وعلا.
إذاً: هذا فيه إثبات أن الله خلق كل أفعال العباد، حتى الفاحشة التي يفعلها العبد ويحاسب عليها خلقها الله، ويمدح الله جل وعلا أنه خلقها؛ لأن كل فعل ناتج عن الله كمال وجلال، فالشر والقبح والسوء ليست في فعل الله، حاشا لله، فهو ذو الجلال والكمال والإجلال.