[ذكر بعض الأدلة على علو الله عز وجل]
ثم ساق المؤلف الأدلة على علو الله التي تكلم عنها سابقاً ومنها قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠]، وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك:١٦]، وقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:١٨] وفي هذه الآية التصريح بالفوقية.
ثم سرد المؤلف الأحاديث من السنة، ومنها خمسة أحاديث ضعيفة، وسنأخذ بعضها ونعلق عليها تعليقات مهمة، فمن هذه الأحاديث الحديث رقم ستمائة وأربعة وخمسين، وفيه ضعف في سنده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن وضوءه، ثم رفع نظره إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله؛ فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)، الشاهد من هذا الحديث (رفع نظره إلى السماء)، والنظر من دلالة الفطرة.
والحديث ستمائة وسبعة وخمسون: عن ابن مسعود: (ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء)، وجه الدلالة في قوله: (في السماء) التي بمعنى على السماء.
والحديث ستمائة وثمانية وخمسون قال عمر: والذي نفس عمر بيده لو أن أحدكم أشار إلى السماء بأصبعه إلى مشرك ثم نزل إليه على ذلك، ثم قتله لقتلته به.
يعني: جعلته في ذمة الله وأعطيته الأمان بإشارتك إلى السماء، كأنه يقول: الله يشهد بيني وبينك أني أعطيتك الأمان فغرر به؛ لأنه أشار إلى السماء فضمنه ذمة الله جل وعلا، فلما نزل قتله، قال عمر: أقتله به؛ لأنه غرر بالرجل، فوجه الشاهد من الأثر أنه قال: (أشار إلى السماء) أي: يعطيه ذمة الله جل وعلا الذي في السماء.
وهنا خلاف فقهي هل يقتل المسلم بالمستأمن؟ الراجح أن المسلم لا يقتل بكافر ولو كان مستأمناً أو ذمياً، والأحناف فقط يقولون: يقتل به.
وكلامهم ضعيف واستدلالاتهم أضعف، ويحمل هذا الأثر على أن عمر رضي الله عنه وأرضاه رأى أنه يقتله بالتغرير وبالخيانة، فهو قتل تعزير لا قصاص؛ لأن في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغزوا باسم الله، قاتلوا من كفر بالله، ثم قال: فإن أرادوك على ذمة الله فلا تفعل وأنزلهم على ذمتك، فإنك إن تخفر ذمتك خير لك من أن تخفر ذمة الله جل وعلا)، والأثر موقوف على عمر رضي الله عنه وأرضاه، ويقدم عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: أوشكت السماء أن تمطر عليكم حجارة، أقول لكم: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟! وقد قال رسول الله: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم) ومفهوم المخالفة لقوله: (تتكافأ دماؤهم) أن غير المسلمين لا تتكافأ دماؤهم مع المسلمين، ولا يقتل مسلم بذمي لكنه يعتبر عاصياً.
والحديث الأخير، في تفسير هذه الآية: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:١٧] قال ابن عباس: لم يستطع أن يقول: من فوقهم لأنه علم أن الله من فوقهم.
وسئل مالك عن الاستواء قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهذا الكلام أصله لـ ربيعة الرأي شيخ مالك، وأصله موقوف على أم سلمة، وبعضهم رفعه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أي: أنه أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً وموقوفاً على أم سلمة، فالاستواء في اللغة معلوم المعنى، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وقد سئل الإمام مالك: ما معنى قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، فقال: هو على عرشه كما أخبر، فقال السائل: يا أبا عبد الله! ليس هذا معناه إنما معناه استولى.
قال: اسكت! ما أنت وهذا؟! لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل: استولى.
وهذه صفة نقص، وكأن الله جل وعلا نازعه أحد فأخذ منه الملك، ثم استولى بعد ذلك على الملك، حاشا لله.