للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مصير اليهود والنصارى إذا ماتوا على غير ملة الإسلام]

بوب المصنف باباً من أهم الأبواب؛ لأن كثيراً ممن ينتسبون إلى الإسلام ضيعوا عقائد الناس وميعوها، هذا الباب هو باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن اليهود والنصارى إذا ماتوا على غير ملة الإسلام يدخلون النار.

فهذا واضح وهل يحتاج النهار إلى دليل؟ وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل فعندنا من قال بوحدة الأديان، وعندنا من قال: أخي بطرس، وعندنا من يقول: بيني وبينهم خلة، والله عز وجل يقول: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧]، فهو مع ذلك يقول: الأديان السماوية والتسامح في النصرانية والتسامح في اليهودية فسنبين لهم لعلهم يتركونها، أو نبين لنا حتى نثبت على عقيدتنا ونعلم أن هذا الكلام هراء، وأن هذا الكلام يصل بالمرء إلى الكفر، فإن قائل هذا الكلام إن لم يتق الله في نفسه يكفر هو أيضاً، فيحشر معه، والمرء مع من أحب.

قال الله تعالى مبيناً أنه لا يقبل أبداً من أحد إلا الإسلام: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]، فالدين معرف بالألف واللام فيفيد العموم، فالأديان كلها التي نزلت تساوي الإسلام، فحصر كل الأديان وقال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]، وتفسيها بلآية الأخرى، من باب تفسير القرآن بالقرآن، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥] أي: لا يقبل منه بحال من الأحوال، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود:١٧].

قال سعيد بن جبير: هم اليهود والنصارى.

وأوضح من ذلك ما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي جئت به، إلا كان من أصحاب النار)، فالنصراني الذي لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به محمد يكون من أصحاب النار، واليهودي الذي لم يؤمن بمحمد وبما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يكون من أصحاب النار، بنص الحديث، وأيضاً في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى عمر يقرأ في التوراة، فقال: (أمتهوك فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده! لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني) أي: يكون خلفي، ولذلك قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٨١].

فكل إنسان وكل نبي وكل أحد رأى رسول الله لا يسعه غير أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كرامة من الله لهذه الأمة، حتى عيسى عليه السلام إذا نزل آخر الزمان لا يحكم إلا بشريعة محمد، بل لا يؤم أمة محمد؛ كرامة لهذه الأمة، فإنه ينزل عيسى على جناح الملك، فيجد الصلاة قد أقيمت والمهدي سيكبر، فيراه المهدي أو يشم رائحته، فإن عيسى عليه السلام ينزل وكأن حب اللؤلؤ يتقاطر منه عليه السلام، فيرجع المهدي؛ لأنه يعرف مقامه، ويريد أن يقدم النبي، فيقول عيسى: لا، تقدم؛ إمامكم منكم؛ تكرمة الله لهذه الأمة.

ولذلك أول أمة تحاسب هي هذه الأمة، لكرامة نبيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي تحت العرش ويقول: (يا رب أمتي أمتي، أمتي أمتي).

وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين قال: (لكل نبي دعوة مستجابة، وإني قد خبأت دعوتي شفاعة لأمتي)، فكرامة هذه الأمة واسعة جداً، فهذه الأمة لا بد لكل الأمم أن تنزل تحت لوائها، ولا بد أن تتبعها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني).