للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وفاته رضي الله عنه وأرضاه]

حانت ساعة وفاة أبي بكر بعدما ثبت بإذن الله هذه العروش، ولذلك قال قائلهم: لولا خلافة أبي بكر لما توسعت رقعة الإسلام، ولما ثبتت عروش خلافة عمر رضي الله عنه وأرضاه، فبعد أن بلغ أبو بكر من العمر ثلاثاً وستين عاماً -كما كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حين مات- جاءه الأجل رضي الله عنه الله عنه وأرضاه، وقبل أن يموت ضرب أروع الأمثلة في الزهد والصلاح والعدالة في الحكم، فقد كان يجلس على قطيفة من حق بيت مال المسلمين، فبعث بها إلى بيت مال المسلمين، ثم قال: إن بستاني وحائطي الذي ألزمني عمر به أتقوت منه يرد إلى بيت مال المسلمين، ثم قال: انظروا إلى ثوب تكفنوني فيه، ثم قال: كيف كفن رسول الله؟ قالوا: في ثلاثة أثواب، فقال: انظروا، قالوا: نحن جهزنا لك ثلاثة أثواب جديدة، قال: لا، انظروا إلى ملآتي هذه الخلقة القديمة، أما الجديد فالحي أحوج إليه.

ثم أمر أن يكفن بهذه الأثواب القديمة، ثم بعد ذلك بعث بكل ما عنده يملك، ومن ناقة كان يشرب منها، وهو خليفة رسول الله، ومع ذلك كان له ناقة فقط، هي التي يشرب منها، ثم أمر برد الناقة الحلوب إلى بيت المال، وأمر بغلام كان يخدمه، فقال: والغلام إلى بيت مال المسلمين، فلما رأى عمر ذلك بكى بكاءً شديداً، وقال كلمته المشهورة: لقد أتعبت من بعدك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم دخل عليه عثمان وهو في مرضه الشديد فقال له: اكتب، ثم أغشي على أبي بكر، فلما أفاق قال له: ما كتبت؟ قال: كتبت عمر، قال: لو كتبت عثمان لكنت لها أهلاً ولكنه عمر، ثم جاءه الناس، فقالوا: كيف تستخلف علينا هذا الشديد - عمر رضي الله عنه وأرضاه- وتعلم حدته وشدته، قال: لو سألني ربي لقلت له: استخلفت عليهم أتقاهم وأقواهم في دين الله، بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مات رضي الله عنه وأرضاه، وصلى عليه عمر والمسلمون، ثم دفن بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أختم سيرة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه بكلمة لـ علي بن أبي طالب، وأرد بها على المتنطعين الهالكين، الذين يقعون في عرض أبي بكر، ويزعمون الحب لآل البيت، فقد قال علي بن أبي طالب في وفاة أبي بكر بعد أن وقف على الباب: رحمك الله يا أبا بكر، كنت والله أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيماناًَ، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم غناءً، وأحفظهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحزنهم على الإسلام، وأحنهم على أهله، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم خَلقاً وخُلقاً، وهدياً وسمتاً، فجزاك الله عن الإسلام وعن المسلمين خيراً، صدقت رسول الله حين كذبه الناس، وواسيته حين بخل الناس، وقمت معه حين قعدوا، وأسماك الله في كتابه صديقاً، فقال جل وعلا: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:٣٣]-فالذي جاء بالحق هو رسول الله، والذي صدق به حين كذبه الناس هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه- يريد محمداً ويريدك، وكنت والله للإسلام حصناً وعلى الكافرين عذاباً، لم تفلل حجتك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل الذي لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعيفاً في بدنك، قوياً في أمر الله، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، جليلاً في الأرض، كبيراً عند المؤمنين، ولم يكن لأحد عندك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، فالقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه، والضعيف عندك قوي حتى تأخذ الحق له، فلا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك.

هذا ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عن الصحابة أجمعين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل ربي جل وعلا أن تكون هذه النماذج حسنة لنا، حتى نتأسى بهم ونسير على نهجهم النقي، وجزاكم الله خيراً.