[وجوب الإيمان بخروج الدجال ووجوده، والرد على من ينكر ذلك]
وبقيت هنا مسألة واحدة في الكلام على الدجال، وهي: إن ثبت لنا بالحديث الصحيح خروج الدجال وإن ثبتت لنا طريق فتنة الدجال، وإن ثبت لنا طريق النجاة من هذه الفتنة العظيمة، إن ثبت كل ذلك فما علينا إلا أن نقول: نستيقن ونعتقد خروج الدجال، فإن شوش علينا أو إن شغب علينا بعض المبتدعة، أو بعض أهل الأهواء، أو بعض أهل الكلام على هذه الحقائق الثابتة الراسية كرسوخ الجبال، فإنا نرد عليهم ذلك.
وكلام أهل البدع في الدجال هو أنهم ردوا هذه الأحاديث، وهم على طائفتين: الطائفة الأولى: ردوا هذه الأحاديث كلية، يعني: كذبوها.
والطائفة الثانية: لم ترد، ولكنها أولتها تأويلاً غير مقبول وغير سائغ.
أما الطائفة التي ردتها فهم: المعتزلة والخوارج، فإنهم ردوا أحاديث الدجال ولم يؤمنوا بها، وقالوا: هذه الأحاديث ليست بثابتة.
والطائفة الثانية قالوا: الدجال رمز لكل شر، يعني: أن أحاديث الدجال هذه ليست على حقيقتها، فـ الدجال ليس بشراً من لحم ودم، بل هو رمز يدل على كل شر.
وقالوا: أما بالنسبة لأحاديث عيسى عليه السلام والملائكة فهذا رمز لكل خير، فـ الدجال رمز لكل شر، ونزول عيسى وقتل الدجال هو رمز لكل خير.
فالمعتزلة وأفراخ المعتزلة الذين هم أهل الأهواء ردوا الأحاديث أو أولوها، والأحاديث الصحيحة ترد عليهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بوجود الدجال، وصرح بفتنته، والأحاديث في البخاري ومسلم ترد عليهم.
ولا نعاني إلا الرد على بعض الفضلاء الذين قالوا: الدجال ليس موجوداً الآن، أي: يقولون: نحن نؤمن بمجيء الدجال بفتنته، لكن لا نثبت وجوده الآن، فهؤلاء يقولون: ليس بموجود الآن، وشبهتهم في ذلك: أن الأقمار الصناعية الموجودة في هذا العصر الحديث لم تر الدجال، يعني: أن الأقمار الصناعية التي رأت كل شيء لم تكشف لنا عن وجود الدجال، فالأقمار الصناعية والجواسيس والمستحدثات الكثيرة لم تر الدجال، فلو كان موجوداً في أي بقعة من بقاع الأرض لرأته الأقمار الصناعية من الفضاء، قالوا: فإننا ننظر بواسطتها في كل بقاع الأرض، فلم نجد الدجال، ولا رأيناه مسلسلاً ولا غير ذلك، وأيضاً: لم نره موجوداً تحت ساحل البحر، ولا في الصحراء، ولا في أي مكان، فـ الدجال غير موجود.
فنقول لهم: أأنتم أعلم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإن الله جل وعلا قد أثبت وجود الدجال على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت لنا في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال موجود، وأن فتنته ستأتي على هذه الأمة، فإن رددتموها على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه الشبهة التافهة فقد ضللتم، فالأقمار الصناعية وغيرها هي قاصرة عن رؤية أخبار الثقة، وهي قاصرة عن الاطلاع على الأضواء التي تسقطها هي، فإن بعضهم يقول: إنهم نزلوا في قرية من القرى وأسقطوا عليها الأشعة فخفيت عن هذه الأقمار الصناعية، فالأقمار الصناعية ما أحاطت علماً بالغيب، والله هو الذي أحاط العلم بالغيب.
فبالنسبة للأقمار الصناعية نقول فيها: هي من صنيع البشر، والأصل في البشر العجز والتقصير، فيكون ما نتج منهم أيضاً عاجز وقاصر عن أن يرى مثل هذه الغيبيات، التي أخبرنا بها جل وعلا، ومن هؤلاء الفضلاء: الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين، وهو يؤمن بفتنة الدجال، لكن لا يثبت وجوده الآن، ويرى عدم صحة حديث تميم الداري في مسلم، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثني تميم الداري بحديث قد حدثتكم به) ثم ذكر ما رآه تميم الداري من أنه دخل إلى الجزيرة فوجد دابة كثيرة الشعر، فدلته على الدجال، إلى آخر الحديث، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الخبر، ففرح صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف وخطب الناس.
وقال: (حدثني تميم الداري) ثم ذكر خبر الدجال، فالشيخ ابن العثيمين كأنه يضعف هذا الحديث، والحديث ثابت في صحيح مسلم، والأصل أن لا يرد هذا الحديث من أجل أننا نقول: ما رأيناه في مكان من الأمكنة، بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وجود الدجال منذ زمنه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا، فنحن نثبته والنبي صلى الله عليه وسلم قد أثبته، ولم يأتنا دليل على نفي وجوده.
نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا ويثبت المسلمين من هذه الفتن، ويقينا الظاهرة منها والباطنة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.