للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الخلاف في المفاضلة بين بني آدم والملائكة]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: ذكر المؤلف هنا مسألة: تفضيل بني آدم على الملائكة، وهذه مسألة عجيبة جداً، يقل من يتكلم فيها، وبعض المبتدعة قالوا: هذه المسألة محدثة لم يتكلم فيها أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من السلف.

ويرد عليهم: أنه قد ورد بالسند الصحيح الكلام في هذه المسألة، فتكلم فيها عبد الله بن سلام، وتكلم فيها عمر بن عبد العزيز وكثير من السلف.

وقبل أن ندخل في هذه المقارنة بين من أفضل صالحي البشر أم الملائكة؟ نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل من الملائكة، بل أفضل الخلق على الإطلاق صلى الله عليه وسلم، فما خلق الله خلقاً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ما ناداه جل وعلا في كتابه العزيز باسمه قط؛ توقيراً له وتعظيماً، فما ناداه إلا بلقبه، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:٦٧].

وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:١].

وقال تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:١] فما ناداه الله جل وعلا إلا بلقبه؛ تعظيماً وتوقيراً لهذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم.

أيضاً من الدلائل على تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتقديمه على الملائكة: أنه ليلة المعراج لما عرج به مع جبريل كان جبريل له منتهى، وقال له: لا أستطيع بعد ذلك، اصعد أنت، فهذه دلالة على فضل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أرقى من جبريل عليه السلام.

أيضاً من الدلائل على تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على الملائكة: ما قاله عبد الله بن سلام ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم.

قالوا: يا عبد الله! وجبريل وميكائيل؟ قال: هل تدرون ما جبريل وميكائيل؟ هم كالشمس والقمر.

يعني: مسخرين كالشمس والقمر، أما النبي صلى الله عليه وسلم فهو مكلف، يعني: يعمل بأوامر الله جل وعلا وينتهي عما نهاه الله عنه.

إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الملائكة، وأفضل الخلق على الإطلاق إذا قلنا بهذه الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:٧] والتفسير الصحيح: أن البرية: هم الخلائق أو الخليقة، فهذه الآية فيها دلالة على أن البشر خير من الملائكة، فإذا قلنا: ولد آدم خير من الملائكة فمن باب أولى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو خير من الملائكة؛ لأنه سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فالإطلاق أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم خير من الملائكة، بل خير من الخلق أجمعين.

أما بالنسبة لصالحي البشر فهل هم خير أم الملائكة؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: قول كثير من أهل السنة والجماعة: أن صالحي البشر أفضل من الملائكة.

القول الثاني: قول المعتزلة والخوارج وبعض أهل السنة والجماعة: أن الملائكة أفضل من صالحي البشر.