[الشرك في الربوبية وذكر بعض صوره]
الشرك في الربوبية: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، ومعنى الرب: الخالق الرازق المدبر الآمر الناهي السيد المطاع، فهذه من لوازم الربوبية، فلا بد أن تعتقدها اعتقاداً جازماً، ولو خلا القلب من هذا الاعتقاد لوقع المرء في الشرك، فلا بد أن تعتقد بأن الله جل وعلا هو الذي يدبر الكون كله، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:٥]، وتعتقد أن الله جل وعلا هو الخالق، قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:٦٢]، أن الله جل وعلا هو الرازق، قال تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٧ - ٥٨]، وأن الله جل وعلا هو الآمر الناهي المشرع، قال الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:٥٤]، وهناك فرق بين الخلق فالأمر: هو التشريع من الله جل وعلا.
فمن صور الشرك التي دبت في هذه الأمة في الربوبية أن يصرف هذا الاعتقاد الذي هو لله جل وعلا لغيره سبحانه.
ومن صور الشرك في الربوبية: أن تعتقد بأن هناك خالقاً غير الله جل وعلا، كما اعتقدت الثنوية والمنوية أن للكون خالقين: خالقاً للظلمة، وخالقاً للنور، وهذا شرك في ربوبية الله جل وعلا، قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:١٦]، وقال عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥]، فهذه صورة من صور الشرك الربوبية.
ومن صور شرك الربوبية: ما يحدث من غلاة الصوفية، من اعتقادهم: أن في هذا الكون أقطاباً وأبدلاً يتحكمون فيه من دون الله جل وعلا، حيث يعتقدون أن هناك من يحرك الكون أو يجعل المطر ينزل من دون الله جل وعلا، وهذا شرك في الربوبية.
ومن صور شرك الربوبية أيضاً عند غلاة الصوفية: الاعتقاد في الأولياء، أي: بأنهم ينفعون أو يضرون، فتراهم يذهبون إلى البدوي أو عبد القادر الجيلاني أو الحسيني ويعتقدون فيه أنه ينفع ويضر، وأعظم من ذلك أنهم يعتقدون في رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ينفع ويضر، وأنه لم يمت حقيقة، مما جعلهم يقولون: إن في هذه الدنيا من يرى عياناً الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأن لازم قولهم: أن الصحبة لا تنتهي إلى يوم القيامة، وهذا كلام بعيد جداً، لا يصدر إلا من لا علم له، بل فكره فكر المعتزلة المحضة، وسنبين ذلك مفصلاً.
الغرض المقصود: أنهم يعتقدون في غير الله ما لا يكون إلا لله وحده جل وعلا.
ومن صور الشرك في الربوبية أيضاً: الاعتقاد في النجوم السيارة أنها تتحكم في المطر أو في الأرزاق، وأن هذه النجوم تضر وتنفع أو تنزل المطر، فالاعتقاد المستلزم لهذا الطلب هو شرك في الربوبية.
ومن صور شرك الربوبية أيضاً: ما كان في المشركين الذين يتخذون الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، أي: من صور شرك الربوبية: أن يأمر أحداً وينهى خلاف أمر الله ونهيه، فيقدم هذا الأمر أو النهي على أمر الله أو نهيه فهذا شرك في الربوبية؛ لأن السيد المشرع والآمر والناهي هو الله جل وعلا.
جاء في الحديث: (دخل عدي بن حاتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١]، فقام عدي منتفضاً فقال: يا رسول الله ما عبدناهم من دون الله -أي: ما سجدنا لهم ولا قربنا القرابين لهم- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أما حرموا عليكم الحلال فحرمتموه، وأحلوا لكم الحرام فأحللتموه؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: تلك عبادتكم إياهم)، يعني: أن هؤلاء أحلوا الحرام وحرموا الحلال من دون الله، ونصبوا أنفسهم أرباباًًَ من دون الله، فتابعتموهم في ذلك، ومن اعتقد في غير الله أن له التشريع أو الأمر والنهي فقد وقع في شرك الربوبية.