كان أبي بكر الصديق رضي الله عنه أقوى ما يكون في الحق، كما كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم، كان لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله كما قال له أسامة عندما جاء يشفع في المرأة المخزومية التي جحدت عارية أو سرقت، فقال صلى الله عليه وسلم:(أتشفع في حد من حدود الله؟! والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد -رضي الله عنها وأرضاها- سرقت لقطعت يدها).
فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة والعباس إلى أبي بكر، وطلبا إرث النبي صلى الله عليه وسلم من أرض فدك وخيبر وبعض الأموال التي كان يأكل منها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر الشفيق الرحيم، ذو الرقة واللين: والله إن أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي، ولكني لا أخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، وأبى أن يعطي فاطمة رضي الله عنها وأرضاها من إرث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبوة لا تورث إلا العلم والوحي، لا تورث الدنيا، ورحلت فاطمة غاضبة على أبي بكر، فوجدت في نفسها عليه، قال بعض العلماء: وجدت في نفسها؛ لأنها ما أرادت الإرث، وإنما أرادت الثمرة فقط، ولكن أبا بكر فهم قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل إن عائشة كذلك، وهي بنت أبي بكر وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، ما أعطاها من إرث النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، ً فلهذا -كما سبق-غضبت فاطمة، ولكن روى البيهقي بسند مرسل لكنه يحتج به بإذن الله، أنه لما مرضت ذهب أبو بكر إليها فترضاها فرضيت، ولما ماتت قال بعض الرواة: لم يؤذن علي أبا بكر لموتها، فصلى عليها ودفنها ليلاً، فلم يعرف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ويقال: إن علياً رضي الله عنه وأرضاه لم يخرج لمبايعة أبي بكر محاباة لـ فاطمة حتى ماتت، وكان الناس وجوههم سمحة مع علي بن أبي طالب حتى ماتت فاطمة، فتغيرت وجوه الناس عليه، فعلم أن ذلك كان بسبب مسألة أبي بكر، فذهب إليه وبايعه، وكان سيفاً من سيوف أبي بكر يضعه حيثما شاء رضي الله عنهم أجمعين.
فهذا ما حدث بين أبي بكر وفاطمة، وكان الحق كل الحق مع أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولم يتكلم فيه أو ينتقده أحد من الصحابة الكرام، حتى علي حين خطب بالناس فقام رجل وقال: من أفضل هذه الأمة؟ فقال: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته ثمانين جلدة حد المفتري أي: الكذاب، أفضل هذه الأمة على الإطلاق أبو بكر ثم عمر بن الخطاب، وسكت ثم قال: والله أعلم بعد ذلك من أفضل، فلم يكن يخير عثمان على نفسه، لكن ورد عن ابن عمر بسند صحيح أنه قال: كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل هذه الأمة بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيقرنا رسول الله، وبينت سابقاً الخلاف بين أهل السنة والجماعة في مسألة: من أفضل عثمان أم علي؟ وذكرنا أن كلمة أهل السنة والجماعة اتفقت بعد ذلك على أن أفضل هذه الأمة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين.