النوع الثالث من أدلتهم: هو البراءة ممن يفعل الكبائر، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أنا بريء ممن مكث أو جلس بين أظهر المشركين).
فتبرأ من الناس التي تقعد في لندن، وفي إنجلترا وأمريكا، وأسبانيا، هؤلاء الذين يعيشون من أجل الدنيا والدرهم والدينار، تبرأ منهم النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فقال:(أنا بريء ممن جلس بين أظهر المشركين، قالوا: علامَ يا رسول الله! قال: لا تراءى نارهما)، أي: أن المؤمن لا ينبغي له الجلوس في مكان يرى فيه نار الكفار من ذلك المكان، للدلالة على بعد المسافة التي لابد أن يبتعد المؤمنون فيها عن الكفار؛ لأن الله جل وعلا يقول:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال:٢٥] أي: أن الفتنة ستعم الكل.
فالذين يعيشون في بلاد الغرب من أجل الدرهم والدينار وقعوا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)، وفي رواية:(تعس عبد الزوجة).
كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم:(من غشنا فليس منا).
والمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن فعل ذلك، فهل معنى ذلك أن صاحبه خرج من الملة؟ أم تبرأ من هذا العمل؟ إذاً: فيجاب على استدلالهم بأن التبرؤ، إما تبرؤ فخرج به صاحبه من الملة، وإما تبرؤ من العمل؟ والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تبرأ من عمل المعصية، والذي يبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تبرأ من عمل من يعصيه قول الله تعالى:{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}[الشعراء:٢١٦]، فدل على أن البراءة من العمل.
إذاً: فقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء ممن جلس بين أظهر المشركين)، أي: من عمله، وقوله:(أنا بريء ممن غش)، أي: من عمله، فلم يتبرأ منه، فلا يخرج من دائرة الإسلام، وإنما يستحق العقاب بعصيانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث:(كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)، أي: استحق العذاب، وهو في مشيئة الله جل وعلا.
كما يحاب عليهم أيضاً بما فعله خالد بن الوليد رضي الله عنه عندما سمع أناساً يقولون:(صبأنا صبأنا)، يريدون أن يقولوا: أسلمنا، أسلمنا، لكن ما أحسنوا أن يقولوا ذلك، فقتل فيهم خالد رضي الله عنه، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد).
فتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من عمل خالد، ولكنه لم يتبرأ منه، فهل يجرؤ أحد أن يقول: إن خالداً في نار جهنم خالداً مخلداً فيها؛ لأن الرسول تبرأ من عمله؟ حاشا لله أن يكون ذلك، بل هو بإذن الله مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.