القسم الثاني من العلم: علم الغيب، وعلم الغيب أيضاً على قسمين: غيب مطلق، وغيب نسبي.
الغيب المطلق: هو صفة من صفات الله الذاتية التي لا ينازع فيها الله جل وعلا إلا كافر، لا ينازع أحد الله جل وعلا في علم الغيب إلا كافر، قال الله تعالى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل:٦٥]، وهذا أسلوب حصر، يعني: كل علم الغيب لله جل وعلا، فمن نازع الله جل وعلا في هذه الصفة فقد كفر؛ لأنه كذَّب القرآن، ونازع الله في صفة يختص بها الله جل وعلا دون غيره، فالغيب المطلق يعلمه الله وحده، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر:(أنت منهم يا أبا بكر)، لما ذكر المصطفى أبواب الجنة: باب الريان باب الصدقة فقال أبو بكر: يا رسول الله! هل تفتح هذه الأبواب لواحد من عباد الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام:(نعم وأنت منهم) فهذا علم غيب، وكلما غاب عن الإنسان فهو غيب.
الغيب النسبي: يكون غيب بالنسبة لأحد، وشهادة بالنسبة للآخرين، فما يحدث مثلاً في أمريكا الآن هو غيب عنا، لكن عن أهل أمريكا ليس بغيب وإنما هو شهادة، فهذا هو الذي يسمى غيباً نسبياً، فالغيب المطلق: هو ما غاب كلية عن البشر.
الغيب المطلق لله جل وعلا، والله جل وعلا يقول:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل:٦٥]، وقال جل وعلا:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}[آل عمران:١٧٩]، إذاً: أو كل علم الغيب لله تعالى، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بشر العشرة بالجنة على وجه الخصوص، فهذا من الغيب، ومنه الآخرة، وما بعد عرصات يوم القيامة، وما بعد المحاسبة، هذا غيب مطلق كيف يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم والله جل وعلا يقول:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، فكيف يكون الجمع بين هذه الآية وأن النبي علم علماً أخروياً؟ الجمع يكون بأن الغيب المطلق يعلمه الله جل وعلا واستثنى الله استثناءات محدودة جداً من هذا الغيب أطلع الله جل وعلا النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولحكمة بليغة ألا وهي: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بمعجزة ربانية ليثبت للناس أنه يوحى إليه من قبل الله جل وعلا؛ ولذلك لما جاء جبريل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن موعد الساعة، قال:(ما المسئول عنها بأعلم من السائل)، فالغيب المطلق لله ولا يعلمه إلا الله جل وعلا، ومن نازع الله في هذه الصفة فقد كفر؛ لأنه كذب بالقرآن ونازع صفة لله يختص بها الله جل وعلا، واستثنى الله من علم الغيب المطلق بعض أنبيائه فخصهم باستثناء محدود وعلم محدود عن الغيب المطلق تأييداً لهم.