[صور من الخلاف الحقيقي بين مرجئة الفقهاء وبين أهل السنة في الإيمان]
لقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين مرجئة الفقهاء خلاف لفظي، يعني: صوري، بحيث إذا نظرت إلى المعنى والحقيقة وجدت الاتفاق بين أهل السنة والجماعة وبينهم.
لكن هناك خلاف حقيقي، فمثلاً: أهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان يزيد وينقص، والمرجئة يقولون: الإيمان شيء واحد لا يتجزأ ولا يتبعض فلا يزيد ولا ينقص، لكن في الحقيقة هم يقرون بالتفاوت بين أهل الإسلام، فمنهم من يكون في الفردوس الأعلى، ومنهم من يكون في أنزل درجة، ولا شك أن الذين في الفردوس الأعلى هم أعلى إيماناً من الذين هم في أنزل درجة، فتكون النتيجة واحدة، وهي أن الإيمان يتفاوت بين الناس.
كذلك المرجئة يقولون: مرتكب الكبيرة، مستحق للوعيد، وأهل السنة والجماعة يقولون: هو فاسق بكبيرته، وهو داخل تحت مشيئة الله جل وعلا إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فالخلاف هنا حقيقي؛ لأن المرجئة يجعلون أصل الإيمان واحد، وليس هذا بصحيح، بل هناك تفاوت في أصل الإيمان، فأصل الإيمان عند إبراهيم عليه السلام غير آحاد آمته.
أيضاً: المرجئة حصروا الكفر في التكذيب والاستحلال، فعندهم إذا أتى إنسان بمكفر، فإنه لا يكفر إلا إذا استحل بقلبه؛ لأن التكذيب والاعتقاد محله القلب، فقالوا: لو سجد لصنم، أو سب الله، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس بكافر حتى يستحل بقلبه.
وقد قلنا: إن هذه الأعمال كفر مستقل، لكن المرجئة لا يقولون بأن الأعمال فيها كفر مستقل، وإنما يقولون: إن الأعمال علامة على الكفر القلبي، فأداروا مسألة الإيمان والكفر وقالوا: محلها القلب، ويقول: أهل السنة والجماعة محل الإيمان والكفر القلب واللسان والجوارح، فالإيمان في القلب الإقرار والتصديق، وهو قول القلب، وعمل القلب من توكل وخوف ورجاء، أيضاً الكفر فيه محله القلب، كالاستكبار، والإيذاء، والإعراض، وعدم الانقياد، والخوف من غير الله جل وعلا كالخوف منه سبحانه إلى آخر هذه.
والإيمان محله الجوارح، كالصلاة والصيام والحج والصدقة، كذلك الكفر محله الجوارح، فمن صلى لغير الله جل وعلا فقد كفر، وكذا من سجد لصنم.
أيضاً اللسان، فمحل الإيمان فيه بالنطق بكلمه بالتوحيد: لا إله إلا الله، والكفر بالنطق بكلمة الكفر، إلا المكره، كما قال تعالى:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[النحل:١٠٦].