للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظم قتل النفس التي حرم الله وحكم توبة القاتل]

يقول: النبي صلى الله عليه وسلم في عدد الكبائر: (وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق).

قتل النفس من الكبائر؛ لأنه فساد عريض في الأرض، ودم المسلم عند الله أشرف من الكعبة، وأعظم وأشرف من السماوات والأرض، ولذلك فإن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه طاف بالكعبة فقال: أنت الكعبة شرفك الله وعظمك، وحرمة دم المسلم عند الله جل وعلا أعظم منك وأشرف.

وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو اجتمع أهل السماوت والأرض على قتل مسلم لأكبهم الله في النار ولا يبالي) وذلك لأن دم المسلم شريف عزيز عظيم عند الله جل وعلا، ونحن نرى الآن أن دم المسلم صار رخيصاً بين أيدي الكفار؛ لأننا هجرنا دين الله، فنسأل الله جل وعلا ألا نسقط من عينه، وأن يردنا إليه رداً جميلاً؛ لكن لو تمسكنا بديننا وتمسكنا بكتاب ربنا وسنة نبينا لرفع الله عنا هذه الذلة المهانة.

إن من الأدلة التي تثبت أن قتل النفس من الكبائر: اختلاف العلماء في توبة القاتل، فـ ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إن القاتل لا توبة له، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:٩٣].

وجاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما زال المرء في سعة حتى يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً)، أي: انتهى أمره ورق دينه إن فعل ذلك؛ لأنه تعدى حدود الله جل وعلا، والجمهور على أن للقاتل توبة، وهذا هو الصحيح، والذي يفصل النزاع ويقطعه قول الله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:٧٠]، فهذا من الأثر.

أما من النظر: فقياس الأولى، وذلك أنه قد اتفق العلماء على أن للمشرك الذي أشرك بالله توبة، وأنه إذا تاب من شركه ودخل الإسلام قبل الله توبته، والإسلام يجب ما قبله، فمن باب أولى القاتل أن يكون له توبة.