[الرد على استدلالهم بقوله تعالى:(فتبارك الله أحسن الخالقين)]
استدلالهم بقوله تعالى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤]، مردود لأن الخلق يأتي على ثلاثة معاني: المعنى الأول: التقدير، بمعنى أن كل ما خلقه الله قدره، والله جل وعلا إذا قدر خلق، ولذلك قال الله تعالى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤]، ثم إن من الممكن أن يكون التقدير بمعنى الدراسة، والتي يسمونها دراسة جدوى.
فأنت تقدر الشيء، وتحسب أن هذه تكون لها كذا، والمقدمة تكون كذا، والنتيجة تكون كذا، تقدر هذا كتابة، فهذه دراسة جدوى.
الله جل وعلا يقدر وهو أحسن المقدرين؛ لأن الله إذا قدر شيئاً أخرجه لحيز الوجود لأنه قادر {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:٨٢]، أما العباد فقد يقدرون ويخططون لكنهم لا يستطيعون التنفيذ، ولذلك قال:(لأنت تفري ما خلقت) يعني: تخرجه لحيز الوجود، والبعض يخلق ولا يفري، يعني: يقدر ولا يخرج ما قدره إلى حيز الوجود.
هذا المعنى الأول.
إذاً: نرد عليهم بأن معنى: أحسن الخالقين أي: أحسن المقدرين.
والمعنى الثاني: الإيجاد من العدم، وهذا ينفرد به الله جل وعلا، ولا يشترك فيه مع الله أحد، قال الله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد:١٦]، أي: أوجدهم من عدم {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الإنسان:١]، فالله جل وعلا هو الذي خلقه من عدم.
المعنى الثالث: التحويل من صورة إلى صورة، بمعنى: أنه إذا كانت الصورة خشبة فتحول إلى باب، وهذه يشترك فيها البشر، فيسمى المحول خالقاً لهذا الباب، وكذلك الحديد لو حول إلى سيارة، فهل هذا الخشب أو الحديد أنزله البشر من السماء؟
الجواب
لا.
فالنعمة تنسب إلى مسديها، وعلى هذا نقول: خلق الله العقل الذي فكر بالتحويل ثم هيأ له سبب ذلك، فوفقه إلى تحويل الحديد إلى سيارة.
إذاً: الرد على استدلالهم بالآية الأولى: أن المقصود بمعنى الخلق في هذه الآية: التقدير، وأن الله أحسن المقدرين؛ لأنه الذي يخرج ما قدره إلى حيز الوجود، أو التحويل من صورة إلى صورة، ونحن لا ننكر أن البشر يحولون من صورة إلى صورة، وهذا من الإنصاف والعدل، فالله سماهم بالخالقين؛ لأنهم حولوا من صورة إلى صورة.