للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل الاسم هو المسمى أم هو غيره؟]

الباب الثاني ما نخالف فيه الإمام اللالكائي وهو قوله: باب ما فسر من كتاب الله جل وعلا وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: وورد من لغة العرب- على أن الاسم هو المسمى، أي: أن الاسم والمسمى واحد، وهذا الكلام خطأ ليس بصحيح، فإجماع أهل السنة والجماعة يرد هذا الخطأ، وللعلماء في مسألة هل الاسم المسمى واحد أم لا ثلاثة أقوال، وهي مزلة أقدام، وقع فيها الكثير من أهل العلم، والمعصوم من عصمه الله، وممن زلت أقدامهم في هذا الباب الحافظ ابن حجر وابن حزم.

القول الأول في هذه المسألة قول اللالكائي وتبعه على ذلك البغوي والقرطبي فقالوا: إن الاسم هو المسمى وعندهم أدلة قوية، منها قول الله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] فإذا قلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] فأنت تسبح الذات المقدسة ذات الله جل وعلا، وقال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] أي: اعبد ذات الله المقدسة.

القول الثاني: قول ابن حزم وابن حجر وقول المعتزلة وهو أن أسماء الله غير الله، وهي أسماء مخلوقة، واستدلوا على ذلك بلغة العرب وهو أنك إذا قلت: يا محمد (م ح م د) فهذه الحروف عربية، وكذلك قولك: الله (ألف لام هاء) أو الرحمن (ألف لام راء حاء ميم نون) فهذا لفظ عربي، فاللفظ غير المسمى، وهذا كلام المعتزلة، والحافظ ابن حجر وابن حزم.

أما أهل الوسطية المدققون المحققون من أهل السنة والجماعة فقالوا: كلمة الاسم هو المسمى تحتمل حق أو تحتمل باطل، فالاسم هو علم على ذات الله جل وعلا، تارة يراد به الذات الإلهية المقدسة، وتارة يراد به الحروف واللفظ العربي، فيراد به الذات المقدسة إذا أمرنا كقول الله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] أي: سبح باسم ذات الله جل وعلا، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] أي: اسجد واركع واستغفر وتضرع وتذلل للذات الإلهية المقدسة لا للفظ والاسم، أما إذا قلت: الرحمن اسم عربي فهذا يراد به الحروف واللفظ، وإذا قلت: الكريم اسم من الأسماء العربية، فيقصد به الحروف واللفظ كذلك.

فالمحققون من أهل السنة والجماعة قالوا: يراد بالاسم الذات العلية وتارة يراد به اللفظ، وكل شيء يوضع في موقعه، فإذا أريد به الذات العلية يكون بالذات العلية المقدسة، وإذا أريد به الألفاظ والحروف يكون باللفظ.

فاللفظ العربي (الرحمن) هو بالحروف العربية: (الألف واللام والراء والحاء والميم والنون)، لا يقصد بها الذات العلية، فقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء:١١٠] أي: الذات الإلهية، ولو قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، فالمقصود بذلك الذات الإلهية، وإذا أطلق الاسم فإنه يدل على الذات العلية المقدسة.

وقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن:١ - ٢] أي: أن الذات الإلهية علمت القرآن.

إذاً: قول اللالكائي بأن الاسم هو المسمى فيه شيء من الحق ولكنه ليس صحيحاً؛ لأنه قد يراد بالاسم غير المسمى، وإذا قلنا بقول الحافظ ابن حجر وهو أن أسماء الله غير الله أو أنها أسماء مخلوقة على الإطلاق فيلزم من ذلك لوازم باطلة، وهي أن الله أمرنا أن لا نشرك به شيئاً فقال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:٣٦]، فيكون قد أمرنا أن نعبد غيره وهو الاسم المخلوق، وقد أمرنا الله إذا ذبحنا ذبيحة ألا نأكل منها إلا بعد أن نسمي الله فقال سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَِ} [الأنعام:١٢١] فإذا قلت: بسم الله الرحمن الرحيم كأنك سميت غير الله، وهو اللفظ المخلوق، وأكلت ذبيحة مسمى عليها غير الله جل وعلا.

ومن اللوازم الباطلة: أن الله جل وعلا أمرنا أن لا نقسم بغيره، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن القسم بغير الله شرك، فقال: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، فإذا قلنا: إن أسماء الله غير الله يلزم منه أن من يقسم بالكريم أو العليم أو الرحمن فقد أشرك؛ لأنه أقسم بغير الله جل وعلا! وقولنا: إن الحافظ أخطأ ليس فيه ضير، فمن الذي له الحسنات ولا يخطئ قط، والمعصوم هو من عصمه الله، والحافظ من أساطين العلم ومن أهل السنة والجماعة ولكن أبى الله أن يعصم أحداً إلا رسوله، وما من أحد إلا ويصيب ويخطئ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا هو صلى الله عليه وسلم، وقد أخطأ مالك والشافعي وأبو حنيفة وهم جبال بالنسبة للحافظ ابن حجر، فأخطئوا ورد عليهم خطؤهم، ونحن لا ننتقص من قدر الرجل لكن نقول: لا معصوم إلا من عصمه الله جل وعلا وهو النبي صلى الله عليه وسلم.