[زيادة الإيمان ونقصانه]
الإيمان يزيد وينقص كما قال الله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:٧٦]، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى على نفسه النفاق لا يقول: إن إيمانه مثل إيمان جبريل.
فالإيمان ينقص حتى يصل إلى النفاق، ويبقى قابلاً للزيادة وللنقصان، وهذا رد على الإمام مالك.
قال: (يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا يجزئ القول إلا بالعمل)، أي: لا يقبل عند الله جل وعلا إلا بالعمل، وهذا مشكل غريب، كيف أتى سفيان الثوري بهذا الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه وهو على فراش الموت: (قل كلمة واحدة أحاج لك بها عند الله) فخالف النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)، وهذه الرواية متفق عليها.
الإجابة على هذا من أوجه: الوجه الأول: أن الشرائع ما نزلت في عم النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أنه أولاً يعرض عليه الشرائع، وبعد ذلك إن قبل أسلم وإلا فلا.
الوجه الثالث: أن أحكام الدنيا من التوارث والتناكح تكون بهذه الكلمة، فإذا قال: لا إله إلا الله.
فله ما لنا وعليه ما علينا.
قال: (ولا يجوز القول والعمل والنية إلا بموافقة السنة)، ثم شرح موافقة السنة فقال: (تقدم الشيخين: أبي بكر وعمر على غيرهما يا شعيب! لا ينفعك ما كتبت حتى تقدم عثمان وعلياً على من بعدهما).
أجمع السلف على أفضلية الأربعة: وهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وهم بحسب ترتيبهم في الخلافة، وهناك طائفة قدمت علياً على عثمان منهم أبو حنيفة رحمة الله عليه، وقيل: إنه رجع عن ذلك، لكن من المتأخرين الشوكاني يقدم علي على عثمان والصحيح الراجح أن عثمان مقدم لحديث ابن عمر قال: (كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقدم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان).
وقال عبد الرحمن بن عوف لما سأل الناس عن علي وعثمان: دخلت على النساء في خدورهن بيتاً بيتاً لا أحد يقدم على عثمان أحداً، وهذا إجماع من أفاضل الناس على أن عثمان أفضل من علي، لكن إذا قلت: توجد لديهما صفات متوازنة، فنعم علي يفوق عثمان رضي الله عنه في بعض الصفات، لكن إجمالاً عثمان رضي الله عنه وأرضاه يقدم على علي رضوان الله عليهم.
قال: (يا شعيب! لا ينفعك ما كتبت لك حتى لا تشهد لأحد بجنة ولا نار).
وهذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة: أنهم لا يشهدون لأحد بجنة ولا بنار، ولا يجزمون لأحد بصلاح، تقول نحسبه كذلك والله حسيبه، وأما القطع بالجنة فهذا تأول على الله جل وعلا، وتعالٍ على الله جل وعلا، وتقول على الله بغير علم، والله حذرنا من ذلك فقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٦٩]، وقال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:٣٦].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قص لنا قصة عن رجلين من بني إسرائيل متعبد ومتعدي، فالمتعبد كان يمر على المتعدي ويقول له: ارجع، اتق الله في نفسك يغفر الله لك، ويبقى على المعصية مرة ثانية، وثالثة ثم قال له: والله لا يغفر الله لك، فقال: فجمعهما الله جل وعلا وقال: من ذا الذي يتألى علي؟ قد غفرت له وأحبطت عملك، فالذي جزم لغيره بأن الله لا يغفر له، ويتألى على الله جل وعلا فقد خرق الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله جل وعلا.