للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الإمام والإمامة]

بعد ذلك ابتدأ المؤلف في شرح أول باب فقال: باب سياق ذكر من رسم بالإمامة والدعوة والهداية إلى طريق الاستقامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة: الإمام هو من يقتدى به سواء في الضلالة أو في الهداية، والأغلب عند الإطلاق أن الإمامة تكون في الهداية، قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:١٢٤] يعني: أن الظالم لا ينال الإمامة، بمعنى أن العهد هو الفاعل، والظالمين هم مفعول به.

إذاً: فالإمامة عند الإطلاق إمامة الدين وإمامة الهدى، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ} [الأنبياء:٧٣].

الإمامة يصل إليها المرء بأمرين اثنين بعد فضل الله جل وعلا؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:٥٣]، {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور:٢١]، بعد فضل الله هناك سببان يصل بهما المرء إلى الإمامة، ذكرهما الله في كتابه فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤]، فلا يصل المرء إلى الإمامة في الدين إلا أولاً: بالصبر، وثانياً: باليقين، والأئمة هم أولو الأمر الذين ذكرهم الله في كتابه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] قال ابن القيم: أولوا الأمر هم العلماء وهم الأمراء، أما العلماء فهم أمنة هذه الأمة، وهم ورثة الأنبياء، وهم أفضل الناس يضيئون ليستنير بهم أهل الإسلام.

أما الذين في ركابهم فهم أولو الأمر الذين تمسكوا بكتاب الله جل وعلا، وتمسكوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وحكموا شريعة الله جل وعلا في الناس، ونصر الله بهم الدين، فهؤلاء الأمراء هم الذين يقال عنهم: إنهم في ركاب العلماء؛ لأنهم يجاهدون في سبيل الله جل وعلا كأمثال الخلفاء الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومن تبعهم بإحسان وعمر بن عبد العزيز ومعاوية بن أبي سفيان وهارون الرشيد وأمثال هؤلاء وسيف الدين قطز الذي له المنة الكبرى على أهل الإسلام؛ لأنه أوقف الغزو والزحف التتري الغاشم، وأيضاً محمد الفاتح الذي فتح الله به القسطنطينية، وقد مدح من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش جيشها)، فهؤلاء هم أمراء وعلماء الملة لا علماء السلطة، وهناك أئمة لكنهم أئمة الضلالة والغواية والعياذ بالله، وهم علماء سلطة لا علماء ملة، باعوا دينهم بثمن بخس بدراهم معدودة، باعوا دينهم بدنيا غيرهم، فهم سفهاء، وأول من تسعر به النار يوم القيامة: عالم لم يرج الله جل وعلا في علمه، نعوذ بالله من الخذلان، وأيضاً الأمراء الذين يجرون الناس بالسلاسل إلى قعر جهنم والعياذ بالله، قال الله عن فرعون: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} [هود:٩٨] إمام {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود:٩٨]، يعني: الذين يعيثون في الأرض فساداً هم أئمة الضلال، ويدعون إلى نار جهنم، كما في حديث حذيفة: (هل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم)، نعوذ بالله من ذلك.